الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        قوله عز وجل : لتبلون في أموالكم وأنفسكم   .

        1242 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج : لتبلون في أموالكم وأنفسكم ، قال : يوصي المؤمن[ين] أنه سيبتليهم ، فينظر كيف صبرهم على دينهم .

        قوله جل وعز : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إلى قوله : أذى كثيرا .

        1243 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة بن الزبير : أن أسامة بن زيد ، أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار ، على إكاف ، على قطيفة من تحته ، وأردف أسامة بن زيد وراءه ، يعود سعد بن عبادة ، في بني الحارث بن الخزرج ، قبل وقعة بدر ، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول; وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي ، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين ، وعبدة الأوثان ، واليهود . [ ص: 522 ] وفي المسلمين عبد الله بن رواحة ، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة ، خمر ابن أبي أنفه بردائه ، ثم قال : لا تغبروا علينا ! فسلم النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم . ثم وقف النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم إلى الله ، وقرأ عليهم القرآن .

        فقال عبد الله بن أبي : أيها المرء ! إنه لأحسن مما تقول ، إن كان حقا ، فلا تؤذينا به في مجالسنا ، ارجع إلى رحلك ، فمن جاءك فاقصص عليه .

        قال عبد الله بن رواحة : بلى ، يا رسول الله ، فاغشنا به في مجالسنا ، فإنا نحب ذلك ! فاستب المسلمون والمشركون واليهود ، حتى كادوا يتثاورون ، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ! ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته ، فسار حتى دخل على سعد بن عبادة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا سعد ، ألم تسمع ما قال أبو حباب ؟ ! -يريد : عبد الله بن أبي- قال : كذا ، وكذا ! قال سعد : يا رسول الله ، اعف عنه واصفح ، فوالذي أنزل الكتاب ، لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك ، ولقد اصطلح [أهل] هذه الحرة على [ ص: 523 ] أن يتوجوه ، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله ، شرق بذلك ، فذلك فعل به ما رأيت ! فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

        وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين ، وأهل الكتاب ، كما أمرهم الله ، ويصبرون على الأذى ، قال الله جل وعز : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ، قال الله جل وعز : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا إلى : إن الله على كل شيء قدير وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو ما أمره الله به ، حتى أذن الله فيهم ، فلما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا ، فقتل الله من صناديد كفار قريش ، قال أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان : هذا أمر قد توجه ، فتتابعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا
        .

        1244 - حدثنا النجار ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، في قوله : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، قال : هو [ ص: 524 ] كعب بن الأشرف ، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ، في شعره ، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار فيهم محمد بن مسلمة ورجل يقال له : أبو عبس بن جير ، فأتوه وهو في مجلس قومه بالعوالي ، فلما رآهم ذعر منهم ، وأنكر شأنهم ! قالوا : جئناك لحاجة . قال : فليأذن لي بعضكم فليحدثني ، فجاءه رجل منهم ، فقال : جئناك لنبيعك أدراعنا ، لنستنفق بها . قال : والله لئن فعلتم لقد جهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل ، فواعدوه أن يأتوه عشاء ، حين يهدأ عنه الناس ، فأتوه ، فنادوا ، فقالت امرأته : ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب ! قال : إنهم قد حدثوني بحديثهم ، وشأنهم .

        1245 - قال معمر : عن أيوب ، عن عكرمة : أنه أشرف عليهم ، فقال : ما ترهنونني ؟ أترهنونني أبناءكم ؟ وأرادوا أن يسلفهم تمرا ، فقالوا : إنا نستحيي أن يعير أبناؤنا ، فيقال : هذا رهينة وسق ، وهذا رهينة وسقين ! قال : أترهنونني نساءكم ؟ قالوا : أنت أجمل الناس ، ولا نأمنك ، وأي امرأة تمتنع منك بجمالك ؟ ولكنا نرهنك سلاحنا ، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم . قال : نعم ، ائتوني بسلاحكم ، واحتملوا ما شئتم [ ص: 525 ] .

        قالوا : فانزل إلينا نأخذ عليك ، وتأخذ علينا ، فذهب ينزل ، فتعلقت به امرأته ، فقالت : أرسل إلى أمثالهم من قومك ، يكونوا معك . قال : لو وجدوني هؤلاء نائما ما أيقظوني ! قالت : فكلمهم من فوق -إشفاقا عليه- فنزل عليهم يفوح ريحه ، فقالوا : ما هذا الريح يا أبا فلان ؟ قال : هذا عطر أم فلان ، فدنا إليه بعضهم ، فشم ريحه ، ثم اعتنقه ، ثم قال : اقتلوا عدو الله ! وطعنه أبو عبس في خاصرته ، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف ، فقتلوه ، ثم رجعوا .

        فأصبحت اليهود مذعورين ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : قتل سيدنا غيلة ، فذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه ، وما كان يخبر عليهم ، ويحرض في قتالهم ، ويؤذيهم ، ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب بينه وبينهم صلحا ، وكان ذلك الصلح مع علي ، بعد
        .

        1246 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج : ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ، قال : يعني اليهود والنصارى ، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم : عزير ابن الله ، ومن النصارى : المسيح ابن الله ، وكان المسلمون ينصبون لهم الحرب ، ويسمعون إشراكهم بالله [ ص: 526 ] .

        قوله جل وعز : وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور .

        1247 - حدثنا علي بن المبارك ، قال : حدثنا زيد ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج : وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور قال : من القوة ، مما عزم الله عليه وأمركم به .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية