الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فأما قول من قال إن الآية الثانية ناسخة للأولى وإن كان يحتمل ذلك فالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على غير ذلك.

334 - كما قرئ على علي بن سعيد بن بشير ، عن عمرو بن رافع ، قال: حدثنا هشيم ، قال: أخبرنا منصور ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت ، عن، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم"  فتبين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الله لهن سبيلا أن الآية لم تنسخ قبل هذا .

قال أبو جعفر: وهذا الحديث أصل من أصول الفقه وإن كان قد تؤول فيه شيء سنذكره في موضعه.

335 - ومما يدل أيضا على ما قلنا إن أحمد بن محمد الأزدي حدثنا، قال: [ ص: 166 ] حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا ، وابن أبي مريم ، قالا: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا قيس بن الربيع ، قال: حدثنا مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت قال: "فكانت المرأة إذا زنت حبست ماتت أو عاشت حتى نزلت في سورة النور الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ونزلت سورة الحدود فكان من عمل سوءا جلد وأرسل"   .

قال أبو جعفر: ودل هذا على أن ابن عباس لم يكن يقول بنفي الزاني فأما القول الثاني الذي اختاره محمد بن جرير ففيه شيء وذلك أنه جعل [ ص: 167 ] واللذان يأتيانها منكم للرجل والمرأة وهذا إنما يجوز في العربية على مجاز ولا يحمل الشيء على مجاز ومعناه صحيح في الحقيقة والذي عارض به من قوله إن العرب لا توعد اثنين إلا أن يكونا شخصين مختلفين فهذا إن صح فهما شخصان مختلفان لأنه إذا كان واللذان للرجلين الثيبين والبكرين فهما مختلفان ومعارضته أنه لو كان هكذا لوجب أن يكون والذين لا يلزم لأن العرب تحمل على اللفظ وعلى المعنى كما قال جل وعز وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ومثل هذا كثير والقول الذي اخترناه هو قول ابن عباس.

336 - حدثنا أبو جعفر قال: كما حدثنا بكر بن سهل ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال: " وقوله جل وعز واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم وكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتى تموت ثم أنزل الله جل وعز بعد ذلك الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فإن كانا محصنين رجما فهذا السبيل الذي جعله الله جل وعز لهما " قال وقوله: واللذان يأتيانها منكم فآذوهما كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال فأنزل الله عز وجل بعد هذا الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة   [ ص: 168 ] فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم   .

قال أبو جعفر: هذا نص كلام ابن عباس فتبين أن قوله جل وعز واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم عام لكل من زنى من النساء وأن قوله تعالى: واللذان يأتيانها منكم عام لكل من زنى من الرجال ونسخ الله جل وعز الآيتين في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بحديث عبادة الذي ذكرناه [ ص: 169 ] فمر بعض العلماء على استعمال حديث عبادة وأنه يجب على الزاني والزانية البكرين جلد مائة وتغريب عام وأنه يجب على الثيبين جلد مائة والرجم هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا اختلاف عنه في ذلك أنه جلد شراحة مائة ورجمها بعد ذلك وقال: 337 - جلدتها بكتاب الله سبحانه ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم   [ ص: 170 ] وقال بهذا القول من الفقهاء الحسن بن صالح بن حي وهو قول الحسن بن أبي الحسن ، وإسحاق بن راهويه والحجة فيه قول الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فثبت الجلد بالقرآن والرجم بالسنة ومع هذا فقول الرسول صلى الله عليه وسلم والثيب بالثيب جلد مائة والرجم وقال جماعة من العلماء بل على الثيب الرجم بلا جلد  وهذا يروى عن [ ص: 171 ] عمر وهو قول الزهري ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي، وأحمد ، وأبي ثور

[ ص: 172 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية