الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما صحف فيه قديما: ذكر أبو عبيد أن عبد الرحمن بن مهدي شك فيه ، أخبرنا به ابن خلف . حدثنا نصر ، عن أبي عبيد ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن سعد بن إبراهيم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع: تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا ،  ومثل المنافق مثل الأرز المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرة " . قال [ ص: 345 ] عبد الرحمن بن مهدي: انجعافها أو انخعافها بالخاء المعجمة . قال أبو عبيد: وليس انخعافها بشيء .

ويشكل من هذا الحديث ثلاثة مواضع: قوله الخامة ، الأرزة بفتح الهمزة والراء التي تليها ساكنة على ما رواه ، وقوله: المجذية الميم مضمومة ، والجيم ساكنة ، وتحت الياء نقطتان . فأما الأرزة: فذكر أبو عبيد أنها هي الآرزة على وزن الفاعلة ، قال: وهي الثابتة في الأرض ، وقد أرزت تأرز ، قال أبو عبيد : والأرزة: غير ما قال أبو عبيدة ، إنما هي الأرزة -بتسكين الراء وفتح الهمزة- وهو شجر معروف بالشام ، وقد رأيته يقال له الأرز ، واحدتها أرزة ، وهو الذي يسمى بالعراق الصنوبر . ولا يحمل شيئا ، وإنما الصنوبر ثمر الأرز . وقرأت في كتاب أبي حنيفة الدينوري: الأرز ذكر الصنوبر ولا يحمل شيئا ، وإنما الحمل للأنثى . وقال أبو عمرو: وهي الأرزة مفتوحة الراء من شجر [ ص: 346 ] الأرزن ، قال: والانجعاف الانقلاع ، ومنه قيل: جعفت به الأرض إذا صرعته ، فضربت به الأرض ، والخامة: الغضة الرطبة ، قال الشاعر :


إنما نحن مثل خامة زرع فمتى يأن يأت محتصده



قوله خامة ، روي في حديث آخر عن أبي هريرة : "مثل المؤمن مثل خافت الزرع "  بالفاء ، قال: والخافت: هو الذي قد لان ومات ، ومنه قيل للميت: خفت ، إذا انقطع كلامه وسكن ، وهذا أورده أبو عبيد في آخر الكتاب ، قال: وهذا [ ص: 347 ] مثل قوله: مثل الخامة من الزرع . وقال بعضهم: يروى من حديث أبي هريرة : "مثل خافه الزرع " بالهاء ، ولا أدري ما هو ؟ ومن روى خافتة فهو مثل خافت ، وهو صحيح . قال أبو عبيد : والمعنى فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الرياح ، والكافر لا يرزأ شيئا ، وإن رزئ لم يؤجر عليه حتى يموت ، فشبه موته بانجعاف تلك ، حتى يلقى الله تعالى بذنوبه .

والمجذية: الثابتة ، والمنتصبة في الأرض ، وهما لغتان: جذى يجذو ، وأجذت تجذي ، وابن الأعرابي ينكر جذا . قال الراعي:


وصناجة تجذو على أصل منسم



وأما الحديث الآخر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم يتجاذون مهراسا . فقال: أتحسبون الشدة في حمل [ ص: 348 ] الحجارة ؟ وإنما الشدة أن يمتلئ أحدكم غيظا ثم يغلبه " .

وحدثنا ابن أخي أبي زرعة ، حدثنا عمي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا ابن عيينة ، عن داود بن سابور ، عن مجاهد قال: " مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوم يجذون حجرا ، فقال: ما هذا ؟ قالوا: حجر الأشداء! فقال: ألا أخبركم بأشد من هذا ؟ الذي يكون بينه وبين أخيه شيء ، فيغلب شيطانه فيأتيه فيكلمه " .  ومن لا يضبط يرويه: يتجاذبون حجرا ، بزيادة باء ، والصحيح يتجاذون ، بلا باء ، يقال: جذى فلان حجرا إذا رفعه ، والأصل في الجاذي أنه المقعي على الشيء منتصب القدمين ، وهكذا كانوا يرفعون الحجر ، وكل ثابت على شيء فقد جذا عليه . وأنشدنا أبو عبد الله بن عرفة قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي:

[ ص: 349 ]

لقد طال ما جربتني فوجدتني     على مرقب السوء المزلة جاذيا



قال ابن الأعرابي: أي ثابتا قائما . قال: والجثو ، لا يكون إلا على الركبتين . والجذو قد يكون لكل شيء لزم شيئا .

وقال ثعلب: ولا يعرف ابن الأعرابي مجذي ، ولا جذى فلان حجرا ، وهو أجذى ، زعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية