الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يصحف: قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس : "إني أخاف عليك شقاشقه " بالشين المعجمة والقاف وإنما هو [ ص: 381 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 382 ] سفاسقه بالسين غير المعجمة والفاء ، فممن رواه لنا ولم يضبطه ، ما حدثناه الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري ، حدثنا يحيى بن حكيم المقوم ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عطاء ، أخبرني عبد الرحمن بن عاصم الثقفي ، عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: "خطبها أبو الجهم ، ومعاوية ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمره ، فقال: "أما أبو الجهم فإني أخشى شقاشقه ، يعني العصا ، وأما معاوية فمملق من المال ، فتزوجت أسامة بن زيد بعد ذلك " . هكذا يرويه أكثر أصحاب الحديث وهو وهم لأنه لا يوافق معنى ما في الحديث ، لأنه روي أنه كان يضرب نساءه ، فقال لها: أخاف عليك من عصاه ، فإن كان هكذا فهي سفاسقه ، والشقاشق لا تكون للعصا ، وإنما هو سفاسقه ، السينان جميعا غير معجمتين وبعد السين الأول فاء وبعد السين الآخر قاف ، وهي: سفاسق العصا والسيف ، الواحدة سفسقة ، وهي شطبة كأنها عود في متنه ممدود كالخيط ، وقال بعضهم: بل هو ما بين الشطبتين على صفحة السيف طولا ، قال امرؤ القيس في سفاسق السيف :


أقمت بعضب ذي سفاسق ميله



وأما الشقاشق بالشين المعجمة فواحدها شقشقة ، وهي [ ص: 383 ] ما يخرجه البعير من فيه ، إذا هاج وهدر ، وقال الشاعر :


أقطع من شقشقة الهادر



وسمي الرجال الخطباء شقاشق من هذا ، وفي كلام لفاطمة رضي الله عنها: ونطق زعيم الدين وخرس شقاشق الشيطان ، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم خاف عليها لسانه لكان هذا مستقيما وإن كان خاف عليها عصاه وضربه فهو سفاسق ، وقد قال في الحديث الذي رويناه أنه يعني العصا ، وفي حديث آخر "أن أبا الجهم لا يرفع عصاه عن أهله " .

ومن الألفاظ التي تشكل ويدخل بعضها في بعض قولهم: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي  رضي الله عنهما" حدثني علي بن سعدان بن نصر ، حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن [ ص: 384 ] أبي سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي ، فإذا رأى الصبي حمرة اللسان بهش إليه " . قوله يدلع لسانه الياء مضمومة واللام مكسورة ، يقال أدلع لسانه ، ودلع لسانه ، وبهش إليه: أي نظر إليه وأعجبه ، واشتهاه ، فتناوله [بسرعة ] وأسرع إليه .

وفي حديث آخر يشكل كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يصلي حتى تزلع قدماه " بالزاي المنقوطة ، يقال تزلعت رجله إذا تشققت ، والتزلع: الشقاق ، وأنشدنا الأخفش:

[ ص: 385 ]

ثعالب موتى جلدها قد تزلعا



وأما الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا  حتى خلت أن أنفه يتمزع " رووه بالزاي المعجمة ، والعين غير معجمة ، فقال أبو عبيد: إن قولهم يتمزع ليس بشيء ، وأحسبه: يترمع ، الراء والعين [ ص: 386 ] غير معجمتين ، وهو أن تراه [كأنه ] يرعد من شدة الغضب .

التالي السابق


الخدمات العلمية