الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يقع فيه الإشكال كثيرا -وقد تنوزع فيه-: ما حدثنا به الحسن بن علي بن خلف ، وأبو حذيفة قالا: حدثنا نصر ، عن أبي عبيد ، عن محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل متى تحل لنا الميتة ؟  قال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تجتفئوا" بالجيم وهمز الياء أيضا .

[ ص: 169 ] وقد روي أيضا تختفوا بالخاء معجمة ساكنة أي تقتلعونه من الأرض يقال: اختفيت الشيء أي أخرجته من الأرض ، ومنه سمي النباش: المختفي ، وكذلك: خفيت الشيء وأنشد :


خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي محلب



قال أبو عبيد: وسألت أبا عمرو فلم يعرف تختفئوا ، وسألت أبا عبيدة فلم يعرفها ، ثم بلغني أنه قال: من الحفأ مهموز مقصور ، وهو أصل البردي الرطب ، يقول: ما لم تقتلعوا هذا فتأكلوه . وأنكر أبو سعيد المكفوف هذا فيما رده على أبي عبيد ، وقال: هذا محال من الكلام ، أين البردي في أرض العرب ، أوكل من يلجأ إلى الميتة يقدر على البردي ؟! وأنكر أيضا تجتفئوا –بالجيم- قال: أين الاجتفاء ؟ إنما هو: كبك الإناء ، وليس لهذا معنى في الحديث . وقال: [ ص: 170 ] أبو عبيد: حدثني الهيثم بن عدي ، أنه سأل أعرابيا فقال: فلعلها تجتفئوا –بالجيم- يعني: أن يقتلع الشيء ثم يرمى به ، ويقال: جفأت الرجل إذا صرعته وضربت به الأرض ، قال أبو سعيد المكفوف: والصواب عندنا تحتفوا بالحاء غير المعجمة وخفيفة الفاء ، قال: وكذلك كل شيء يستأصل أصله يقال: احتفيت شعري ، قال: والاحتفاء أخذه عن وجه الأرض بأطراف الأصابع . قلت أنا: الرواية بالحاء غير المعجمة قليل ، وهي بالخاء أكثر .

ومثل هذا الحديث مما يشكل ويتنازع فيه: قوله صلى الله عليه وسلم في إتيان الغائط: "اتقوا الملاعن وأعدوا النبل"  قال [ ص: 171 ] الأصمعي: روي هذا بضم النون وفتح الباء ، [يقال ]: نبلني أحجارا ، أي أعطنيها ، ونبلني عرقا ، أي أعطنيه . لم يعرف الأصمعي منه إلا هذا . وقال ابن الأعرابي: نبلت الرجل وأنبلته إذا ناولته النبل . قال: وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "كنت أنبل عمومتي" أي أناولهم النبل . وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمة الله عليهما: النبل حجارة الاستنجاء . وقال: أبو عبيد وأصحاب الحديث يقولون وأعدوا النبل بفتح النون والباء ونراها سميت نبلا لصغرها وهو من الأضداد ، قلت أنا: النبل يقال: للرفيع من الأشياء ، ويقال أيضا للدون منها . وأنشدني أبو عبد الله المفجع ، أنشدنا ثعلب ، عن ابن الأعرابي:


أفرح أن أرزأ الكرام وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا



وقال ابن قتيبة: النبل بضم النون وفتح الباء ، وإنما يقال [ ص: 172 ] لها نبلة إذا تناولتها وأخذتها ، وأنبلت فلانا ونبلته إذا أعطيته إياها ، واستشهد بقول لبيد:


كأن أم النبل



وسمعت أبي يحكي عن أحمد بن غياث العسكري وكان عالما باللغة والشعر أنه قال: صحف القتيبي في هذا البيت . وإنما هو (كأرآم التبل) . بتاء فوقها نقطتان ، وهو اسم موضع .

[ ص: 173 ] وهكذا قرأت على أبي بكر بن دريد في شعر لبيد ، وذكره عن أبي حاتم ، عن ابن قردد الراوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية