الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يقع فيه الإشكال: قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن كسب الزمارة  والرمازة ، وتفسيره في الحديث الزمارة الزانية .

[ ص: 177 ] فأخبرني الحسن بن علي ، حدثنا نصر بن داود ، عن أبي عبيد قال هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن مهر البغي .  قال أبو عبيد ولم أسمع هذا الحرف إلا في هذا الحديث ، ولا أدري من أي شيء أخذ . ورواه ابن قتيبة الرمازة بالراء في أولها والزاي في آخرها على أنها المغنية . ثم قال: وقد قال قوم: زمارة ، واستشهد ببيت لشاعر كان محبوسا:


ولي مسمعان وزمارة وظل مديد وحصن أمق



قال: فالزمارة في البيت الغل سماها زمارة تشبيها بالساجور ، لأنها في العنق .

وأما أبو بكر بن الأنباري فحدثنا عن أحمد بن الهيثم البزاز [ ص: 178 ] حدثنا خالد بن يزيد المقرئ ، حدثنا حماد بن زيد ، عن هشام ، عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن كسب الزمارة" . قال أبو بكر: والذي رواه ابن قتيبة الرمازة بالراء قبل الزاي خطأ ، والاختيار عندي الزمارة بالزاي المعجمة على ما قال أبو عبيد لحجج ثلاث: إحداها: أن أصحاب الحديث أجمعوا عليها ولم يعرفوا الراء . والثانية: أن الزمارة الفاجرة لأنها تحسن نفسها وكلامها ، والزمر عند العرب الحسن قال ابن أحمر:


دنان حنانان بينهما     رجل أجش غناؤه زمر



قال ابن الأعرابي: الزمر الحسن ، قال: ومن هذا قيل للفاجرة: زمارة لأنها تزمر نفسها تحسنها . وقال الأصمعي في قوله غناؤه زمر أي غناؤه حسن ، كأنه من مزامير آل داود .

والحجة الثالثة: أنها سميت زمارة لمهانتها وقلة ما فيها من الخير ، من قولهم زمر المروءة . وقال الخليل: الرمازة بتقديم الراء خطأ في هذا الموضع ، وإنما الرمازة في حديث آخر ، ومعناه مأخوذ من الرمز ، وهي التي تومئ بعينها ، ثم قال: وأي كسب لها ههنا ينهى عنه ، فلا وجه للحرف إلا على الزمارة يراد كسب البغي ، ومثله [قوله تعالى ] ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء . ورد [ ص: 179 ] ابن قتيبة هذا وقال الرمازة أيضا الفاجرة التي تومئ بعينها قال: ومنه [قوله تعالى ]: ثلاثة أيام إلا رمزا والرمازة صفة من صفات الفاجرة واستشهد :


رمزت إلي مخافة من بعلها     من غير أن يبدو هناك كلامها



وقلت أنا وأكثر أصحاب الحديث على الزمارة بتقديم الزاي حدثنا به عبدان إملاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية