الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يروى على وجهين ، وأحدهما أقوى من الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع والسجود ، فمهما سبقتكم لحقتموني ، إني قد بدنت"  قال أهل العلم والمعرفة [ ص: 182 ] بالرواية: الصواب أني قد بدنت ، وقولهم: إني قد بدنت -الدال مضمومة- إنما معناه كثر لحمي ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة ، ومعنى قوله بدنت بالفتح وتشديد الدال أي: كبرت وأسننت ، واستشهدوا عليه بقول الشاعر:


وكنت خلت الشيب والتبدينا والهم ، مما يذهل القرينا



قالوا: ومما يدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها: إنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعض صلاته بالليل وهو جالس ،  وذلك بعدما حطمته السن ، ويرويه بعضهم: بعد ما حمل اللحم ، والأول أكثر ؛ وأخبرني علي بن الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبيد الله بن بسطام ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي ، حدثنا كهمس ، عن عبد الله بن شقيق ، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا ، قالت: نعم ، بعدما حطمته السن" . قلت أنا: [ ص: 183 ] فهذا يدل على بدنت بالتشديد ، يقال: بدن يبدن تبدينا إذا أسن . وبدن يبدن بدونا إذا حمل اللحم ، والبدن: الشيخ المسن . قال الأسود بن يعفر :


أم ما بكاء البدن الأشيب



وما يشكل ، ويحتاج إلى شرح: ما حدثناه ابن منيع ، حدثنا شيبان بن فروخ -وهو الأبلي- حدثنا أبو أمية بن يعلى ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخنع الأسماء عند الله عز وجل ،  رجل يقال: له: ملك الأملاك" وهكذا قال: أخنع [ ص: 184 ] الخاء معجمة قبل النون ، وغيره يقول: أنخع فيقدم النون ، وأخبرني الحسن بن علي بن خلف ، أنبأنا نصر ، عن أبي عبيد أنه قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أنخع الأسماء عند الله أن يسمى الرجل ملك الأملاك" قال أبو عبيد بعضهم يرويه: إن أخنع ، فمن رواه أنخع أراد: أقل الأسماء ومنه النخع في الذبيحة ، أن يجوز بالذبح إلى النخاع ، ومن روى أخنع الأسماء أراد أشد الأسماء ذلا ، والخانع: الذليل .

وأما الحديث "فهم أبخع طاعة" فليس من هذا ، وهو بباء بعد الألف ، تحتها نقطة ، ولا يجوز بالنون حدثنا أبو بكر بن أحمد بن سعدويه ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، أن مشرح بن هاعان أخبره أنه سمع عقبة بن عامر [قال ]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاكم أهل اليمن: هم ألين قلوبا ، وأرق أفئدة ، وأبخع [ ص: 185 ] طاعة" .  قال نصر: فقلت للأصمعي: ما أبخع طاعة ؟ قال: أنصح طاعة ، فقلت له: فإن أبا أحمد حدثنا عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد لعلك باخع نفسك أي قاتل نفسك ، فقال الأصمعي: هذا قلت لك! بلغ بهم النصح أن قتلوا أنفسهم ؛ وفي كلام لعمر رضي الله عنه: فأصبحت بجنبتي الناس ، ومن لم يكن يبخع لنا بطاعة . قال أبو زيد: بخع الرجل بالطاعة إذا أقبل [بها ] وانقاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية