الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يشكل ويصحف في موضعين من هذا الحديث: قوله [ ص: 194 ] صلى الله عليه وسلم: "ضموا فواشيكم ، إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء"  يصحفون فواشيكم ، بمواشيكم ، وفحمة ، بقحمة ، وإنما الرواية عند أهل الثبت والضبط "ضموا فواشيكم" بالفاء ، والواحدة: فاشية ، وهي: ما ينتشر ويفشو من الإبل والغنم وغيرها ، ومن لا يضبط يقول: "ضموا مواشيكم" على أنها جمع ماشية ، وأكثر العرب ليسوا أصحاب مواشي .

أخبرنا ابن منيع ، حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، حدثنا زهير ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء" حدثناه بالفاء في موضعين .

وحدثنا علي بن إسماعيل ، حدثنا أبو موسى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفوا أهليكم وفواشيكم إذا [ ص: 195 ] غابت الشمس ، حتى تذهب فحمة العشاء" . وأما قوله: فحمة العشاء ، فمنهم من يرويه بضم الفاء ، ومنهم من يرويه بفتحها ، والروايتان صحيحتان ، يقال: فحمة وفحمة العشاء يعني به سواد الليل وظلمته ، وإنما يكون ذلك في أول الليل ، وأما من رواه ، قحمة -بالقاف- فهو خطأ وتصحيف .

وحكى لي الحسن بن علي بن خلف ، قال: سمعت أحمد بن غياث العسكري -وكان عالما باللغة والشعر- يقول: إن عيسى بن عمر صحف فيه فقال: قحمة بالقاف ، وخالفه غيره في هذه الحكاية ، فأخبرني أبي ، عن عسل بن ذكوان ، عن الرياشي ، عن أبي معمر ، عن عبد الوارث ، قال كنت أنا وعيسى بن عمر بباب بكر بن حبيب السهمي ، فقال عيسى: فحمة ، وقلت أنا: فحمة جميعا بالفاء وإنما اختلفنا في الضم والفتح ، فسألنا بكر بن حبيب السهمي ، فقال: الفحمة [ ص: 196 ] فورة العشاء ، وهذا أشبه بالصحيح ، لأن عيسى بن عمر ، أحد المتقدمين في علم النحو واللغة .

وأخبرني نفطويه ، أنبأنا أحمد بن يحيى ، عن ابن الأعرابي ، قال: فحمة العشاء ، من لدن المغرب إلى العشاء ، قال ابن الأعرابي: وقال الفزاري: من لدن العشاء إلى نصف الليل ، وقد أفحم القوم إذا أناخوا [في[ فحمة الليل ، وقال الغنوي: إنما الفحمة في القيظ أول الليل ، وليست لليل الشتاء فحمة ، لأنه لا حر فيه فتحبسهم ، وإنما يفحمون إذا أقاموا فحمة العشاء ليسكن عنهم الحر ، ويبرد الليل ثم يسيرون ليلتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية