الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يشكل ويدخل بعضه في بعض قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا للحبلة الكرمة ، فإن الكرم قلب المؤمن "  الحبلة: بفتحتين أصل الكرمة ، وكذلك الحفنة بفتحتين .

وفي حديث آخر: "أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة غرس الحبلة" أي الكرمة .

وفي حديث آخر: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلى "  بفتحتين ، وليس هذا من الأول في شيء ، وإنما [ ص: 263 ] هذا من الحبل ، وهو جمع ناقة حابل ، ونوق حبلة كما تقول: حامل وحملة .

وأما حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر " والحبلة ها هنا مضمومة الحاء ساكنة الباء وهي ثمرة العضاه ، والحبلة أيضا ضرب من الحلي يجعل في القلائد . قال الشاعر:


وكل خليل عليه الرعاث والحبلات كذوب ملق



ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب يعرب عنها لسانها " [ ص: 264 ] واختلفوا في يعرب بتسكين العين ، وفي يعرب بتشديد الراء ، فقال أبو عبيد: يروى في الحديث يعرب بالتخفيف ، وقال الفراء : يعرب بالتشديد ، وقال: يقال عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم . وكذلك قوله: فإنما يعرب عما في قلبه لسانه ، جميعا بالتشديد . قال أبو عبيد: وكان هشيم يقول: يعرب .

وأخبرني الحسن بن علي ، عن نصر ، عن أبي عبيد ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال: "كانوا يحبون أن يلقنوا الصبي حين يعرب عنه لسانه أن يقولوا لا إله إلا الله سبع مرات " .  قال أبو عبيد: يقولون: يعرب مخففة ، وليس هذا من إعراب الكلام في شيء ، والصواب يعرب إنما معناه أنه يبين ذلك القول ما في قلبها .

[ ص: 265 ] قال: وقد روي عن عمر رضي الله عنه فقال: "ما يمنعكم أن تعربوا عليه " معناه ما يمنعكم أن تردوا عليه ، يقال عربت على الرجل إذا رددت عليه .

وحدثني أبو الليث الفرائضي ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن زيد بن صوحان قال: قال عمر رضي الله عنه: "ما يمنعكم إذا رأيتم الرجل يمزق أعراض المسلمين أن تعيبوا عليه ؟ قالوا: نتقي ونخاف ، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء " هكذا قال ، أن تعيبوا عليه ، وعندي أنه تصحيف وإنما هو أن تعربوا عليه [ ص: 266 ] أي تردوا عليه ، واختار ابن قتيبة يعرب بالتخفيف ، واحتج بقوله :


تأولها منا تقي ومعرب



التالي السابق


الخدمات العلمية