الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما يشكل حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: "نام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت فخيخه "  الخاء معجمة ، [ ص: 286 ] وكذلك التي بعدها . قالوا: الفخيخ الغطيط . يقال: فخ في نومه يفخ فخيخا إذا غط ونفخ ، وأنشد أبو بكر بن دريد:


طوبى لمن كانت له مزخة يزخها ثم ينام الفخة



وقد رواه بعضهم حتى سمعت فحيحه ، بالحاء غير معجمة ، وذهبوا إلى قولهم: فحت الأفعى فحيحا ، والأول أصوب ، وفي [ ص: 287 ] حديث ابن عمر رضي الله عنهما حتى سمعت جخيفه ، وفسروه الصوت ، والجخيف في غير هذا: الوعيد ، ويكون الكبر أيضا .

ورووا في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر الله للمؤذن مد صوته " .  والصحيح مدى صوته بزيادة ياء ، [ ص: 288 ] والدال مخففة ، ومداه: مقدار ما يبلغه الصوت ، وحدثني به أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي ، حدثني أبي ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يغفر للمؤذن مدى صوته ، ويشهد له ما يسمعه من رطب ويابس " .

ورووا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذنك علي أن ترفع الحجاب ، وتسمع سراري حتى أنهاك " وإنما هو: أن تسمع سوادي حتى أنهاك ، بعد السين [ ص: 289 ] واو ، وبعد الألف دال ، والسواد هو السرار بعينه ، ولكن الرواية بالواو والدال ، وإن كان المعنى واحدا . والسين من السواد مكسورة ، ولا يجوز ها هنا بالفتح ولا الضم عند البصريين ، وقال الأصمعي: السواد: السرار . ساودته مساودة وسوادا إذا ساررته ، ولم يعرف السواد بضم السين . وقال أبو عبيد: يجوز ضم السين ، وهو مثل جوار وجوار ، ولم يروه بالضم أحد . وكأن أبا عبيد جعل السواد بالكسر المصدر ، والسواد بالضم الاسم منه ، وقال الأحمر: هو من إدناء سوادك من سواده ، وهو الشخص: قال أبو عبيد: هو من السرار أيضا لأن السرار لا يكون إلا بإدناء السواد .

وأخبرنا نفطويه ، عن أحمد بن يحيى قال: قال ابن الأعرابي: السواد السرار . وقال ابن الأعرابي: الكلام الخفي والمخالاة ، وقال: وكان مع ابنة الخس غليم أسود ترب لها تلاعبه ، [ ص: 290 ] فلما بلغا ، إذا لها بطين قد نتأ ، فقيل لها: ما هذا ؟ فقالت: طول السواد ، وقرب الوساد ، وبعد البيت من الناد ، قال ابن الأعرابي: والسواد بالضم أن يكون عند الإنسان أو البعير الماء العذب ثم يشرب الماء الملح ، فيرم عليه وجهه وكبده ، فذلك السواد ، ورجل مسود: به هذا الداء . قال: والسواد ، والسواد: السرار أيضا ، وأنشدني محمد بن علي بن إسماعيل المهرياني :


عن ذات أولية أساود ربها     وكأن لون الملح فوق شفارها



[ ص: 291 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية