الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومما روي بالصاد والضاد قول عمر رضي الله عنه: "دخلت على أبي بكر رضي الله عنه وهو ينصنص لسانه ، وينضنض " .

[ ص: 294 ] رواه أبو عبيد بالصاد غير المعجمة ، وزعم أن الحديث بالصاد لا غير . وحدثنا ابن صاعد ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أن عمر اطلع على أبي بكر رضي الله عنهما وهو آخذ بلسانه ينصنص -كذا أملاه علينا بالصاد غير معجمة- فقال: ما هذا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أوردني الموارد:

[ ص: 295 ] وحدثنا به الجواربي ، حدثنا محمد بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا الدراوردي ، عن زيد بن أسلم عن أبيه: "أن عمر رأى أبا بكر رضي الله عنهما وهو ينضنض لسانه " بالضاد معجمة ، وقد روي بالضاد المعجمة أكثر مما روي بالصاد غير معجمة ، بل أكثر الرواة على الضاد المعجمة . وقال أبو عبيد: قوله ينصنص لسانه بالصاد غير المعجمة معناه يحرك ، والنضنضة بالضاد المعجمة أيضا: هو تحريك اللسان ، وشبهوه بنضنضة الحية ، ولم يرو أحد البيت الذي يستشهد به إلا بالضاد المعجمة :


تبيت الحية النضناض منه مكان الحب تستمع السرارا



[ ص: 296 ] واختلفوا في حديث فيه "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفيم بحراء ، وكان ذلك مما تتحنث به قريش " .  ورواه بعضهم تتحنف به قريش بالفاء .

فحدثنا أبو بكر بن الأنباري ، حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا أحمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن وهب بن كيسان ، سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبيد بن عمير الليثي ، حدثنا ما كان بدء ما ابتدأ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من النبوة ؟  فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم شهرا من كل سنة بحراء وكان ذلك ما تتحنث به قريش " بالنون ، والثاء منقوطة بثلاث . [ ص: 297 ] قال أبو بكر: التحنث التبرر ، وقال أبو طالب:


وراق ليرقى في حراء ونازل



[ ص: 298 ] وقال محمد بن الجهم ، حدثنا السكوني أبو أحمد ، قال فسألت ابن الأعرابي عن "يتحنث" فقال: لا أعرفه ، قال: وسألت أبا عمرو الشيباني ، وكان خيرا ، فقال: لا أعرف "يتحنث " ، وإنما هو يتحنف من الحنيفية ، أي يتبع دين الحنيفية ، وهو دين إبراهيم عليه السلام ، قال الله عز وجل: ملة إبراهيم حنيفا قال: فسألت الفراء: ما التحنث ؟ فقال: أفي شعر وجدته أم في كلام ؟ فذكرت الحديث ، فقال: يتجنب الحنث . قال الله عز وجل: وكانوا يصرون على الحنث العظيم أي الشرك ويقال: تأثم الرجل في المأثم وإذا تجنبه ، فكذلك تحنث ، فيحتمل الوجهين . قال ابن الأنباري: [ ص: 299 ] القول عندنا ما قال الفراء : وحكى لنا أبو عمر ، عن أحمد بن يحيى ثعلب أنه قال: فلان يتحنث إذا تعبد بأشياء تخرجه من الحنث ، قال: ومنه قولهم: كان يتحنث بحراء ، أي يتعبد ، ويقال: فلان يتحنث ، أي يحنث كثيرا ويتعمد ذلك . فكأنه عنده من الأضداد .

ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار والدرهم ، تعس [وانتكس ] وإذا شيك فلا انتقش "   [ ص: 300 ] بالقاف ، والشين منقوطة . هذه الرواية الصحيحة . وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: سمعت من يرويه فلا انتعش بالعين غير معجمة . وقد سمعت أنا غير واحد يرويه فلا انتعش بالعين [غير معجمة ] والصحيح القاف في قوله لا انتقش ، يقال نقشت الشوكة ، إذا استخرجتها ، ومنه سمي المنقاش ، وفي مثل (لا تنقش الشوكة بشوكة مثلها فإن ضلعها معها) ، فأراد صلى الله عليه وسلم بقوله: تعس عبد الدينار ، أي عثر ، وقوله شيك ، أي دخلت شوكة في رجله ، فلا خرجت بالمنقاش ، وأما انتعش بالعين فهو ارتفع ، ولا معنى له مع ذكر الشوكة ، ولو كان تعس فلا انتعش كان قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية