[ ص: 343 ] وأما قوله 
[1]  : " إنها سألت : من تولى الخلافة ؟ فقالوا :  علي   . فخرجت لقتاله على دم  عثمان  ، فأي [2] ذنب كان  لعلي  في ذلك ؟ " .  
فيقال له : أولا : قول القائل [3]  : إن  عائشة   وطلحة   والزبير  اتهموا  عليا  بأنه قتل  عثمان  وقاتلوه على ذلك - كذب بين  
[4] ، بل إنما طلبوا القتلة الذين كانوا تحيزوا إلى  علي  ، وهم يعلمون أن براءة  علي  من دم  عثمان  كبراءتهم وأعظم ، لكن القتلة كانوا قد أووا إليه ، فطلبوا قتل القتلة ، ولكن كانوا عاجزين عن ذلك هم  وعلي  ، لأن القوم كانت لهم قبائل يذبون عنهم . 
والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن 
[5] دفع السفهاء ، فصار الأكابر [ - رضي الله عنهم - ] 
[6] عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها . وهذا شأن الفتن كما قال تعالى : ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة   ) [ سورة الأنفال : 25 ] . وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله   . 
وأيضا فقوله : " أي ذنب كان  لعلي  في قتله ؟ 
[7]  " . 
تناقض منه ; فإنه يزعم أن  عليا  كان ممن 
[8] يستحل قتله [ وقتاله ] 
[9] ،  [ ص: 344 ] وممن ألب عليه وقام في ذلك ، فإن  عليا   - رضي الله عنه - نسبه إلى قتل 
[10]  عثمان  كثير من شيعته ومن شيعة 
[11]  عثمان  ، هؤلاء لبغضهم  لعثمان  وهؤلاء لبغضهم  لعلي  
[12] ، وأما جماهير المسلمين 
[13] فيعلمون كذب الطائفتين على  علي   . 
والرافضة  تقول : إن  عليا  كان ممن يستحل قتل  عثمان  ، بل وقتل  أبي بكر   وعمر  ، وترى أن الإعانة على قتله من الطاعات والقربات . فكيف يقول من هذا اعتقاده : أي ذنب كان  لعلي  على ذلك ؟ وإنما يليق هذا التنزيه  لعلي  بأقوال أهل السنة ، لكن الرافضة  من أعظم الناس تناقضا . 
وأما قوله : " وكيف استجاز  طلحة   والزبير  وغيرهما مطاوعتها على ذلك ؟ وبأي وجه يلقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ من أن الواحد منا لو تحدث مع [14] امرأة غيره وأخرجها من منزلها وسافر بها 
[15] كان أشد الناس عداوة له " . 
فيقال : هذا من تناقض الرافضة  وجهلهم ; فإنهم يرمون  عائشة   [ ص: 345 ] بالعظائم ، ثم منهم من يرميها بالفاحشة  التي برأها الله منها ، وأنزل 
[16] القرآن في ذلك . 
ثم إنهم لفرط جهلهم يدعون ذلك 
[17] في غيرها من نساء الأنبياء ، فيزعمون 
[18] أن امرأة نوح   كانت بغيا ، وأن الابن الذي دعاه نوح  لم يكن منه وإنما كان منها ، وأن معنى قوله : ( إنه عمل غير صالح   ) [ سورة هود : 46 ] أن هذا الولد من عمل غير صالح . ومنهم من يقرأ : ( ونادى نوح ابنه   ) [ سورة هود : 42 ] يريدون : ابنها ، ويحتجون بقوله : ( إنه ليس من أهلك   ) [ سورة هود : 46 ] ويتأولون قوله تعالى : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما   ) [ سورة التحريم : 10 ] على أن امرأة نوح   خانته في فراشه 
[19] ، وأنها كانت قحبة 
[20]  . 
وضاهوا في ذلك المنافقين والفاسقين أهل الإفك الذين رموا  عائشة  بالإفك والفاحشة ولم يتوبوا 
[21] ، وفيهم خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أيها الناس من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ، والله ما علمت عليه إلا خيرا  " 
[22]  . 
ومن المعلوم أنه من أعظم أنواع الأذى للإنسان أن يكذب على امرأته  [ ص: 346 ] رجل 
[23] ويقول إنها بغي ويجعل الزوج زوج قحبة [24] ، فإن هذا 
[25] من أعظم ما يشتم به الناس بعضهم بعضا ، حتى إنهم 
[26] يقولون [ في المبالغة ] 
[27]  : شتمه بالزاي والقاف 
[28] مبالغة في شتمه . 
والرمي بالفاحشة - دون سائر المعاصي - جعل الله فيه حد القذف  ، لأن الأذى الذي يحصل به للمرمي لا يحصل مثله بغيره 
[29] ، فإنه لو رمي بالكفر أمكنه تكذيب الرامي بما يظهره من الإسلام ، بخلاف الرمي بالفاحشة ; فإنه لا يمكنه تكذيب المفتري بما يضاد ذلك ، فإن الفاحشة تخفى وتكتم مع تظاهر الإنسان بخلاف ذلك ، والله تعالى قد ذم من يحب إشاعتها في المؤمنين 
[30] ، لما في إشاعتها من أذى الناس وظلمهم ، ولما في ذلك من إغراء النفوس [ بها ] ، لما فيها 
[31] من التشبه والاقتداء ، فإذا رأى الإنسان أن غيره فعلها تشبه به ، ففي القذف بها من الظلم والفواحش ما ليس في القذف بغيرها ، لأن النفوس تشتهيها ، بخلاف الكفر والقتل ، ولأن إظهار الكفر والقتل فيه التحذير للنفوس من  [ ص: 347 ] مضرة ذلك ، فمصلحة إظهار فعل فاعله في الجملة راجحة على مصلحة كتمان ذلك ، ولهذا يقبل فيه شاهدان ، ويقام الحد فيه بإقراره مرة واحدة ، بخلاف الفاحشة ; فإنها لا تثبت إلا بأربعة شهداء بالاتفاق ، ولا تثبت بالإقرار إلا بإقرار 
[32] أربع مرات عند كثير من العلماء . 
والرجل يتأذى برمي امرأته بالفاحشة 
[33] ، كما يتأذى بفعل امرأته للفاحشة ، ولهذا شرع له الشارع اللعان إذا قذف امرأته ، وأن يدفع عنه 
[34] حد القذف باللعان دون غيره ; فإنه إذا قذف محصنة لم يكن بد من إقامة الشهادة وإما الحد  
[35] إن طلب ذلك المقذوف ، ولهذا لو قذفت امرأة غير محصنة ولها زوج محصن  وجب حد القذف على القاذف في أحد قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن  أحمد   . 
فهذه الشواهد الشرعية والعرفية مما يبين أن تأذي الإنسان برمي 
[36] امرأته بالفاحشة أعظم من تأذيه بإخراجها من منزلها 
[37] لمصلحة عامة يظنها المخرج ، مع أن  طلحة   والزبير  لم يخرجاها من منزلها ، بل لما قتل  عثمان   - رضي الله عنه - كانت  عائشة  بمكة   [ ولم تكن بالمدينة   ] 
[38] ، ولم تشهد قتله ، فذهب  طلحة   والزبير  فاجتمعا بها في مكة   . 
				
						
						
