فصل
وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة [1] ، ورواه مسلم في صحيحه [2] من حديث عائشة . قالت : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة وعليه مرط مرحل [3] من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله [4] ، ثم جاء الحسين فأدخله معه [5] ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ سورة الأحزاب : 33 ] .
وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، [ ص: 14 ] فليس هو من خصائصه . ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة فعلم أن هذه الفضيلة لا تختص بالأئمة ؛ بل يشركهم فيها غيرهم . ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم بأن يذهب عنهم [6] الرجس ويطهرهم تطهيرا . وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ؛ واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ، والطهارة مأمور بها كل مؤمن .
قال الله تعالى : ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [ سورة المائدة : 6 ] . وقال : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ سورة التوبة : 103 ] .
وقال تعالى : إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين [ سورة البقرة : 122 ] .
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور .
والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه : الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى [ سورة الليل 17 - 21 ] .
وأيضا فإن السابقين [7] الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ سورة التوبة : 100 ] لا بد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور ، فإن هذا الرضوان وهذا [ ص: 15 ] الجزاء إنما ينال بذلك . وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم . فما دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكساء هو بعض ما وصف به السابقين الأولين . والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لغير أهل الكساء بأن يصلي الله عليهم ودعا لأقوام كثيرين [8] بالجنة والمغفرة وغير ذلك مما هو أعظم من الدعاء بذلك ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأولين .
ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير ، دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به ، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب ، ولينالوا المدح والثواب .


