الفصل الثالث [1]
قال الرافضي [2] : في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة [ سورة المجادلة : 12 ] . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لم يعمل [3] بهذه الآية غيري ، وبي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية .
[ ص: 16 ] والجواب أن يقال : الأمر بالصدقة لم يكن واجبا على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه ، وإنما أمر به من أراد النجوى ، واتفق أنه لم يرد النجوى إذ ذاك إلا علي رضي الله عنه فتصدق لأجل المناجاة [4] .
وهذا كأمره بالهدي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأمره بالهدي لمن أحصر وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك . وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينفخ تحت قدر وهوام رأسه تؤذيه [5] . وكأمره لمن كان مريضا أو على سفر بعدة من أيام أخر ، وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق ، وكأمره إذا قرءوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، ونظائر هذا متعددة .
فالأمر المعلق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر [ ص: 17 ] به غيره . وهكذا آية النجوى ; فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا علي ، ولم يكن على من ترك النجوى حرج . فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة ، ولا من خصائص علي رضي الله عنه ، ولا يقال إن غير علي ترك النجوى بخلا بالصدقة ; لأن هذا غير معلوم ؛ فإن المدة لم تطل . وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج [6] الواحد إلى النجوى ، وإن قدر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء . كيف [7] وأبو بكر رضي الله عنه قد [8] أنفق ماله كله يوم رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة ، وعمر رضي الله عنه جاء [9] بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى . فكيف يبخل أحدهما [10] بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدي نجواه ؟ .
وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر يقول : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق ، فوافق ذلك مالا عندي ، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما ، فجئت بنصف مالي ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أبقيت لأهلك يا عمر ، فقلت : مثله ، قال : وأتى أبو بكر بكل مال عنده ، فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ، فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، فقلت : لا أسابقك إلى شيء أبدا [11] .


