وأما قوله [1]  : " الخلاف الرابع : في الإمامة   . وأعظم خلاف بين الأمة خلاف [2] الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان "         [3]  . 
فالجواب [4]  : أن هذا من أعظم الغلط ، فإنه - ولله الحمد - لم يسل سيف على خلافة  أبي بكر  ، ولا  عمر  ولا  عثمان  ، ولا كان بين المسلمين في زمنهم نزاع في الإمامة ، فضلا عن السيف ، ولا كان بينهم سيف مسلول على شيء من الدين . والأنصار  تكلم بعضهم بكلام أنكره عليهم . 
 [ ص: 325 ] أفاضلهم ، كأسيد بن حضير   وعباد بن بشر  وغيرهما ممن هو [5] أفضل من  سعد بن عبادة  نفسا وبيتا . 
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ثبت عنه في الصحيحين من غير وجه أنه قال : " خير دور الأنصار  دار بني النجار  ، ثم دار بني عبد الأشهل  ، ثم دار بني الحارث بن الخزرج  ، ثم دار بني ساعدة  ، وفي كل دور الأنصار  خير  "    [6]  . 
فأهل الدور الثلاثة المفضلة : دار بني النجار  ، وبني عبد الأشهل  ، وبني الحارث بن الخزرج  لم يعرف منهم من نازع في الإمامة ، بل رجال بني النجار  كأبي أيوب الأنصاري  ،  وأبي طلحة  ،  وأبي بن كعب  وغيرهم ، كلهم لم يختاروا إلا  أبا بكر   . 
 وأسيد بن حضير  هو الذي كان مقدم الأنصار  يوم فتح مكة  ، عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم -  وأبو بكر  عن يمينه ، وهو كان من بني عبد الأشهل  ، وهو كان يأمر ببيعة  أبي بكر   - رضي الله عنه - ، وكذلك غيره من رجال الأنصار   . 
وإنما نازع  سعد بن عبادة  والحباب بن المنذر  وطائفة قليلة ، ثم رجع هؤلاء وبايعوا  الصديق  ، ولم يعرف أنه تخلف منهم إلا  سعد بن عبادة   .  [ ص: 326 ] وسعد  ، وإن كان رجلا صالحا ، فليس هو معصوما ، بل له ذنوب يغفرها الله ، وقد [7] عرف المسلمون بعضها ، وهو من أهل الجنة السابقين الأولين من الأنصار  ، رضي الله عنهم وأرضاهم . 
فما ذكره  الشهرستاني  من أن الأنصار  اتفقوا على تقديمهم  سعد بن عبادة  هو باطل باتفاق أهل المعرفة بالنقل ، والأحاديث الثابتة بخلاف ذلك . وهو وأمثاله وإن لم يتعمدوا الكذب لكن ينقلون من كتب من ينقل عمن يتعمد الكذب . 
وكذلك قول القائل : إن  عليا  كان مشغولا بما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - من دفنه وتجهيزه وملازمة قبره ، فكذب ظاهر ، وهو مناقض لما يدعونه ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدفن إلا بالليل ، لم يدفن بالنهار . وقيل : إنه إنما دفن من الليلة المقبلة ، ولم يأمر أحدا بملازمة قبره ، ولا لازم علي قبره ، بل قبر في بيت  عائشة  ، وعلي أجنبي منها . 
ثم كيف يأمر بملازمة قبره ، وقد أمر - بزعمهم - أن يكون إماما بعده ؟ ولم يشتغل بتجهيزه علي وحده ، بل  علي  ،  والعباس  ، وبنو العباس  ، ومولاه شقران ، وبعض الأنصار  ،  وأبو بكر   وعمر  ، وغيرهما على باب البيت حاضرين غسله وتجهيزه ، لم يكونوا حينئذ في بني ساعدة   . لكن السنة أن يتولى الميت أهله ، فتولى أهله غسله وأخروا دفنه ليصلي المسلمون عليه [8] ، فإنهم صلوا عليه أفرادا واحدا بعد واحد ،  [ ص: 327 ] رجالهم ونساؤهم : خلق كثير ، فلم يتسع يوم الاثنين لذلك مع تغسيله وتكفينه ، بل صلوا عليه يوم الثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء . 
وأيضا فالقتال الذي كان في زمن علي لم يكن على الإمامة ، فإن أهل الجمل  وصفين  والنهروان  لم يقاتلوا على نصب إمام غير  علي  ، ولا كان  معاوية  يقول : أنا [9] الإمام دون  علي  ، ولا قال ذلك  طلحة   والزبير   . 
فلم يكن أحد ممن قاتل  عليا  قبل الحكمين [10] نصب إماما يقاتل على طاعته ، فلم يكن شيء من هذا القتال على قاعدة من قواعد الإمامة المنازع فيها ، لم يكن أحد من المقاتلين يقاتل طعنا في خلافة [11] الثلاثة ، ولا ادعاء للنص على غيرهم ، ولا طعنا في جواز خلافة  علي   . 
فالأمر الذي تنازع فيه الناس من أمر الإمامة ، كنزاع الرافضة  والخوارج  المعتزلة وغيرهم ، ولم يقاتل عليه أحد من الصحابة أصلا ، ولا قال أحد منهم : إن الإمام المنصوص عليه هو  علي  ، ولا قال : إن الثلاثة كانت إمامتهم باطلة ، ولا قال أحد منهم إن  عثمان   وعليا  وكل من والاهما كافر . 
فدعوى المدعي أن أول سيف سل بين أهل القبلة كان مسلولا على قواعد الإمامة التي تنازع فيها الناس ، دعوى كاذبة ظاهرة الكذب ، يعرف كذبها بأدنى تأمل ، مع العلم بما وقع . 
 [ ص: 328 ] وإنما كان القتال قتال [12] فتنة عند كثير من العلماء ، وعند كثير منهم هو [13] من باب قتال أهل العذل [14] والبغي ، وهو القتال بتأويل سائغ لطاعة غير [15] الإمام لا على قاعدة دينية . 
ولو أن  عثمان  نازعه منازعون في الإمامة وقاتلهم ، لكان قتالهم من جنس قتال  علي  ، وإن كان ليس بينه وبين أولئك نزاع في القواعد الدينية . 
ولكن أول سيف سل على الخلاف في القواعد الدينية سيف الخوارج  ، وقتالهم من أعظم القتال ، وهم الذين ابتدعوا أقوالا خالفوا فيها الصحابة وقاتلوا عليها  ، وهم الذين تواترت النصوص بذكرهم ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق  " [16]  . 
 وعلي   - رضي الله عنه - لم يقاتل أحدا على إمامة من قاتله ، ولا قاتله أحد على إمامته نفسه ، ولا ادعى أحد قط في زمن خلافته أنه أحق بالإمامة منه : لا  عائشة  ، ولا  طلحة  ، ولا  الزبير  ، ولا  معاوية  وأصحابه ، ولا الخوارج  ، بل كل الأمة كانوا معترفين بفضل علي وسابقته بعد قتل  [ ص: 329 ]  عثمان  ، وأنه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته ، كما كان  عثمان  كذلك لم ينازع قط أحد من المسلمين في إمامته وخلافته ولا تخاصم اثنان في أن غيره أحق بالإمامة منه ، فضلا عن القتال على ذلك . وكذلك  أبو بكر   وعمر   - رضي الله عنهما - . 
وبالجملة فكل من له خبرة بأحوال القوم يعلم علما ضروريا أنه لم يكن بين المسلمين مخاصمة بين طائفتين [17] في إمامة الثلاثة ، فضلا عن قتال . 
وكذلك علي : لم يتخاصم طائفتان في أن غيره أحق بالإمامة منه . وإن كان بعض الناس كارها لولاية أحد من الأربعة ، فهذا لا بد منه . فإن من الناس من كان كارها لنبوة محمد   - صلى الله عليه وسلم - فكيف لا يكون فيهم من يكره إمامة بعض الخلفاء . 
لكن لم يكن بين الطوائف نزاع ظاهر في ذلك بالقول ، فضلا عن السيف . كما بين أهل العلم نزاع في مقالات معروفة بينهم ، في المسائل العملية والعقائد [18] العلمية ، وقد تجتمع طائفتان فيتنازعون ويتناظرون في بعض المسائل . 
والخلفاء الأربعة لم يكن على عهدهم طائفتان يظهر بينهم [19] النزاع ،  [ ص: 330 ] لا في تقديم  أبي بكر  على من بعده وصحة إمامته ، ولا في تقديم  عمر  وصحة إمامته ، ولا في تقديم  عثمان  وصحة إمامته ، ولا في [20] أن عليا مقدم بعد هؤلاء . 
وليس في الصحابة بعدهم [21] من هو أفضل منه ، ولا تنازع طائفة من المسلمين بعد خلافة  عثمان  في أنه ليس في جيش علي أفضل منه ، لم تفضل طائفة معروفة عليه  طلحة   والزبير  ، فضلا أن يفضل عليه  معاوية   . 
فإن قاتلوه مع ذلك لشبهة عرضت لهم ، فلم يكن القتال له لا على أن غيره أفضل منه ، ولا أنه الإمام دونه ، ولم يتسم قط  طلحة   والزبير  باسم الإمارة ، ولا بايعهما أحد على ذلك . 
 وعلي  بايعه كثير من المسلمين ، وأكثرهم بالمدينة  على أنه أمير المؤمنين . ولم يبايع  طلحة   والزبير  أحد على ذلك ، ولا طلب أحد منهما ذلك ، ولا دعا إلى نفسه ، فإنهما - رضي الله عنهما - كانا أفضل وأجل قدرا من أن يفعلا مثل ذلك . 
وكذلك  معاوية  لم يبايعه أحد لما مات  عثمان  على الإمامة ، ولا حين كان يقاتل  عليا  بايعه أحد على الإمامة ، ولا تسمى بأمير المؤمنين ، ولا سماه أحد بذلك ، ولا ادعى  معاوية  ولاية قبل حكم الحكمين [22]  . 
وعلي يسمي نفسه أمير المؤمنين في مدة خلافته ، والمسلمون معه  [ ص: 331 ] يسمونه أمير المؤمنين . لكن الذين قاتلوه مع معاوية ما كانوا يقرون له بذلك ، ولا دخلوا في طاعته ، مع اعترافهم بأنه ليس في القوم أفضل منه ولكن ادعوا موانع تمنعهم عن طاعته . 
ومع ذلك فلم يحاربوه ، ولا دعوه وأصحابه إلى أن يبايع  معاوية  ، ولا قالوا : أنت ، وإن كنت أفضل من  معاوية  لكن  معاوية  أحق بالإمامة منك فعليك أن تتبعه ، وإلا قاتلناك . 
كما يقول كثير من خيار الشيعة الزيدية   : إن  عليا  كان أفضل من  أبي بكر   وعمر   وعثمان  ، ولكن كانت المصلحة الدينية تقتضي خلافة هؤلاء لأنه كان في نفوس كثير من المسلمين نفور عن علي بسبب من قتله من أقاربهم ، فما كانت الكلمة تتفق على طاعته فجاز تولية المفضول لأجل ذلك . 
فهذا القول يقوله كثير من خيار الشيعة  ، وهم الذين ظنوا أن  عليا  كان أفضل ، وعلموا أن خلافة  أبي بكر   وعمر  حق لا يمكن الطعن فيها ، فجمعوا بين هذا وهذا بهذا الوجه . 
وهؤلاء عذرهم آثار سمعوها ، وأمور ظنوها ، تقتضي فضل علي عليهم ، كما يقع مثل ذلك في عامة المسائل المتنازع فيها بين الأمة ، يكون الصواب مع أحد القولين ، ولكن الآخرون معهم منقولات ظنوها صدقا ، ولم يكن لهم خبرة بأنها كذب ، ومعهم من الآيات والأحاديث الصحيحة تأويلات ظنوها مرادة ومن النص ، ولم تكن كذلك ، ومعهم نوع من القياس والرأي ظنوه حقا ، وهو باطل . 
 [ ص: 332 ] فهذا مجموع ما يورث الشبه في ذلك إذا خلت النفوس عن الهوى وقل أن يخلو أكثر الناس عن الهوى : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى   ) [ سورة النجم : 23 ] . 
والمقصود أن جواز تولية المفضول لأسباب مانعة من تولية الفاضل  هو قول ذهب إليه طوائف من السنة والشيعة   . ومع هذا فلم يكن الذين مع  معاوية  يقولون : إنه الإمام والخليفة ، وإن على  علي  وأصحابه مبايعته وطاعته ، وإن كان  علي  أفضل ، لأن توليته أصلح . 
فهذا لم يكونوا يقولونه ، ولا يقاتلون عليه ، وهذا مما هو معلوم لعموم أهل العلم ، ولا بدأوا  عليا  وأصحابه بقتال أصلا . 
ولأن الخوارج  بدأوه بذلك ، فإنهم قتلوا عبد الله بن خباب  لما اجتاز بهم ، فسألوه أن يحدثهم عن أبيه  خباب بن الأرت  ، فحدثهم حديثا في ترك الفتن ، وكان قصده - رحمه الله - رجوعهم عن الفتنة ، فقتلوه ، وبقي دمه مثل الشراك في الدماء . فأرسل إليهم  علي  يقول : سلموا إلينا قاتل عبد الله بن خباب   . فقالوا : كلنا قتله . ثم أغاروا على سرح الناس ، وهي الماشية التي أرسلوها تسرح مع الرعاء . فلما رأى علي أنهم استحلوا دماء المسلمين وأموالهم ، ذكر النصوص التي سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفتهم وفي الأمر بقتالهم ، ورأى تلك الصفة منطبقة عليهم ، فقاتلهم ، ونصره الله عليهم ، وفرح بذلك ، وسجد لله شكرا لما جاءه خبر المخدج أنه معهم ، فإنه هو كان العلامة التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - واتفق الصحابة على قتالهم فقتاله للخوارج  كان بنص من الرسول وبإجماع الصحابة . 
 [ ص: 333 ] وأما قتال الجمل  وصفين  فقد ذكر  علي   - رضي الله عنه - أنه لم يكن معه نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان رأيا . وأكثر الصحابة لم يوافقوه على هذا القتال ، بل أكثر أكابر [23] الصحابة لم يقاتلوا : لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ،  كسعد بن أبي وقاص  ،  وابن عمر  ،  وأسامة بن زيد  ،  ومحمد بن مسلمة  ، وأمثالهم من السابقين الأولين من المهاجرين  والأنصار  والذين اتبعوهم بإحسان ، مع أنهم معظمون  لعلي  ، يحبونه ويوالونه ويقدمونه على من سواه ، ولا يرون أن أحدا أحق بالإمامة منه في زمنه لكن لم يوافقوه في رأيه في القتال . 
وكان معهم نصوص سمعوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - تدلهم على أن ترك القتال والدخول في الفتنة خير من القتال ، وفيها ما يقتضي النهي عن ذلك ، والآثار بذلك كثيرة معروفة . 
وأما  معاوية  ، فلم يقاتل معه من السابقين الأولين المشهورين أحد ، بل كان مع  علي  بعض السابقين ولم يكن مع  معاوية  أحد ، وأكثرهم اعتزلوا الفتنة . 
وقيل : كان مع  معاوية  بعض السابقين الأولين ، وإن قاتل  عمار بن ياسر  هو  أبو الغادية  [24] ، وكان ممن بايع تحت الشجرة ، وهم السابقون الأولون ذكر ذلك  ابن حزم  وغيره . 
 [ ص: 334 ] والمقصود أن  عليا  لم يقاتله أحد على إمامة غيره ، ولا دعاه إلى أن يكون تحت ولاية غيره ، ثم إنه لما رفعت المصاحف ودعوا إلى التحكيم واتفقوا على ذلك وأجمعوا في العام القابل ، واتفق الحكمان على عزل  علي   ومعاوية  ، وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين ، وقال أحد الحكمين : " هذا عزل صاحبه ، وأنا لم أعزل صاحبي " ومال  أبو موسى  إلى تولية  عبد الله بن عمر  ، فغضب عبد الله  لذلك ، ولم يكن اتفاقهما على عزل  معاوية  عن كونه أمير المؤمنين ، فإنه لم يكن قبل هذا أمير المؤمنين بل عزله عن ولايته على الشام   ; فإنه كان يقول : أنا ولاني الخليفتان  عمر   وعثمان  ، فأنا باق على ولايتي حتى يجتمع الناس على الإمام . 
فاتفق الحكمان على أن يعزل علي عن إمرة المؤمنين ،  ومعاوية  عن إمرة الشام   . وكان مقصود أحدهما إبقاء صاحبه ، ولم يظهر ما في نفسه . فلما أظهر ما في نفسه تفرق الناس عن غير اتفاق ولم يقع بعد هذا قتال . 
فلو قدر أن  معاوية  في هذا الحال صار يدعي أصحابه أنه أمير المؤمنين دون  علي  ، فلم يمكنهم أن يقولوا : إن  عليا  بعد ذلك قوتل على إمامة  معاوية   . 
فتبين أن  عليا  لم يقاتله أحد على أن يكون غيره إماما وهو مطيع له ، فإن الذين كانوا يستحقون الإمامة  أبو بكر   وعمر   وعثمان  ، وكان هو أتقى لله من أن يخرج عليهم بقول أو فعل ، بل  عثمان  كان علي هو أول من بايعه قبل جمهور الناس . 
 [ ص: 335 ] وأما  معاوية  فكان المسلمون أعلم وأعدل من أن يقولوا  لعلي   : بايع  معاوية  ، بل يقولوا له [25]  : بايع  طلحة   والزبير  ، وهما [26] من أهل الشورى . 
فعبد الرحمن بن عوف  مات في خلافة  عثمان  ، وبقي بعد موت  عثمان  أربعة . 
فأما سعد  فاعتزل الفتنة ، ولم يدخل في قتال أحد من المسلمين ، وعاش بعدهم كلهم ، وهو آخر العشرة موتا ، واعتزل بالعقيق ، ولما مات حمل على الأعناق فدفن بالبقيع   . 
وفي صحيح  مسلم  عن  عامر بن سعد بن أبي وقاص   : كان  سعد بن أبي وقاص  في إبله فجاء ابنه  عمر  ، فلما رآه سعد  قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب . فنزل فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون في الملك بينهم ؟ فضرب سعد  في صدره ، وقال : اسكت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي  " [27]  . 
وابنه  عمر  هذا كان يحب الرياسة ، ولو حصلت على الوجه المذموم ، ولهذا لما ولي ولاية ، وقيل له : لا نوليك حتى تتولى قتال  الحسين  وأصحابه ، كان هو أمير تلك السرية . 
وأما سعد   - رضي الله عنه - فكان مجاب الدعوة ، وكان مسددا في زمنه ،  [ ص: 336 ] وهو الذي فتح العراق  ، وكسر جنود  كسرى  ، وكان يعلم أنه لا بد من وقوع فتن بين المسلمين . 
وفي صحيح  مسلم  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها ، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيح بيضتهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها  " [28]  . 
				
						
						
