وقوله [1]  : " الخلاف [2] الثامن : في إمرة [3] الشورى ، واتفقوا بعد الاختلاف على إمارة  عثمان   " . 
والجواب : أن هذا من الكذب الذي اتفق أهل النقل على أنه كذب ; فإنه لم يختلف أحد في خلافة  عثمان   ، ولكن بقي عبد الرحمن  يشاور الناس ثلاثة أيام ، وأخبر أن الناس لا يعدلون  بعثمان  ، وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن . وإن كان في نفس أحد كراهة ، لم ينقل - أو قال - أحد شيئا ولم ينقل إلينا . 
فمثل هذا قد يجري في مثل [4] هذه الأمور . والأمر الذي يتشاور فيه الناس لا بد فيه من كلام ، لكن لا يمكن الجزم بذلك بمجرد الحزر . 
 [ ص: 351 ] فلما علمنا نقلا صحيحا أنه ما كان اختلاف في ولاية  عثمان  ، ولا أن طائفة من الصحابة قالت : ولوا  عليا  أو غيره ، كما قال بعض الأنصار   : منا أمير ومنكم أمير ، ولو وجد شيء من ذلك لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ، كما نقل نزاع بعض الأنصار  في خلافة  أبي بكر   - فالمدعي لذلك مفتر . 
ولهذا قال الإمام  أحمد   : " لم يتفق الناس على بيعة كما اتفقوا على بيعة  عثمان   " . 
 وعثمان  [5] ولاه المسلمون بعد تشاورهم ثلاثة أيام وهم مؤتلفون متفقون متحابون متوادون معتصمون بحبل الله جميعا ، وقد أظهرهم الله وأظهر بهم [6] ما بعث به نبيه من الهدى ودين الحق ، ونصرهم على الكفار وفتح بهم بلاد الشام  والعراق  وبعض خراسان   . 
فلم يعدلوا  بعثمان  غيره ، كما أخبر بذلك  عبد الرحمن بن عوف  ، ولهذا بايعه عبد الرحمن  ، كما ثبت هذا في الأحاديث الصحيحة . 
وأما ما ذكره بعض الناس من أنه اشترط على  عثمان  [7] سيرة الشيخين فلم يجب إما لعجزه عن مثل سيرتهما وإما لأن التقليد غير واجب أو غير جائز ، وأنه اشترط على  علي  [8] سيرة الشيخين فأجابه لإمكان متابعتهما أو جواز تقليدهما فهذا النقل [ باطل ] [9] ليس له إسناد ثابت ،  [ ص: 352 ] فإنه مخالف للنقل الثابت في الصحيح ، الذي فيه أن عبد الرحمن  بقي ثلاثة أيام لم يغتمض في لياليها بكثير نوم ، في كل ذلك يشاور المسلمين ، ولم يرهم يعدلون  بعثمان  غيره ، بل رأوه أحق وأشبه بالأمر من غيره ، وأن عبد الرحمن  لم يشترط على  علي  إلا العدل فقال لكل منهما : " الله عليك إن وليتك لتعدلن ، وإن وليت عليك لتسمعن ولتطيعن " فيقول : " نعم " [10]  . 
فشرط على المتولي العدل وعلى المتولى عليه السمع والطاعة وهذا حكم الله ورسوله كما دل عليه الكتاب والسنة   . 
				
						
						
