وأما قوله [1]  : ووقعت اختلافات [2] كثيرة  منها رده الحكم بن أمية  إلى المدينة  بعد أن طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يسمى طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بعد أن كان يشفع إلى [3]  أبي بكر   وعمر  أيام خلافتهما ، فما أجاباه [4] إلى ذلك ، ونفاه  عمر  من مقامه باليمن  أربعين فرسخا " . 
فيقال : مثل هذا إن جعله اختلافا جعل كلما حكم خليفة بحكم ونازعه فيه قوم اختلافا ، وقد كان ذكرك [5] لما اختلفوا فيه من المواريث  [ ص: 353 ] والطلاق وغير ذلك أصح وأنفع ، فإن الخلاف في ذلك ثابت منقول عند [ أهل ] [6] العلم ، ينتفع الناس بذكره والمناظرة فيه . وهو خلاف في أمر كلي يصلح أن تقع فيه المناظرة . 
وأما هذه الأمور فغايتها جزئية ، ولا تجعل مسائل خلاف يتناظر فيها الناس . 
هذا مع أن فيما ذكره كذبا كثيرا [7] ، منه ما ذكره من أمر الحكم ، وأنه طرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان يسمى طريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه استشفع إلى  أبي بكر   وعمر  أيام خلافتهما فما أجاباه إلى ذلك ، وأن  عمر  نفاه من مقامه باليمن أربعين فرسخا . فمن الذي نقل ذلك ؟ وأين إسناده ؟ ومتى ذهب هذا إلى اليمن  ؟ وما الموجب لنفيه إلى اليمن  ، وقد أقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما يدعونه بالطائف  ، وهي أقرب إلى مكة  والمدينة  من اليمن  ؟ فإذا كان الرسول أقره قريبا منه ، فما الموجب لنفيه بعد ثبوته [8] إلى اليمن  ؟ . 
وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أن نفي الحكم باطل ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه إلى الطائف  ، بل هو ذهب بنفسه . وذكر بعض الناس أنه نفاه ، ولم يذكروا إسنادا صحيحا بكيفية القصة وسببها . 
وعلى هذا التقدير فليس فيمن يجب نفيه في الشريعة من يستحق  [ ص: 354 ] النفي الدائم ، بل ما من ذنب يستحق صاحبه النفي إلا ويمكن أن يستحق بعد ذلك الإعادة إلى وطنه ، فإن النفي إما مؤقت ، كنفي الزاني البكر عند جمهور العلماء سنة ، فهذا يعاد بعد السنة ، وإما نفي مطلق ، كنفي المخنث ، فهذا ينفى [9] إلى أن يتوب . وكذلك نفى  عمر  في تعزير الخمر . 
وحينئذ فلا يمكن أن يقال : إن ذنب الحكم  الذي نفي من أجله لم يتب منه في مدة بضع عشرة سنة ، وإذا تاب من ذنبه - مع طول هذه المدة - جاز أن يعاد . 
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهجر الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة ، ثم تاب الله عليهم ، وكلمهم المسلمون . 
 وعمر   - رضي الله عنه - نفى صبيغ بن عسل التميمي  لما أظهر اتباع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وضربه ، وأمر المسلمين بهجره سنة بعد أن أظهر التوبة ، فلما تاب أمر المسلمين بكلامه [10]  . 
 [ ص: 355 ] وبهذا أخذ  أحمد  وغيره في أن الداعي إلى البدعة إذا تاب يؤجل سنة  ، كما أجل  عمر  صبيغا  ، وكذلك الفاسق إذا تاب ، واعتبر مع التوبة صلاح العمل كما يقول  الشافعي   وأحمد  في إحدى الروايتين . 
ثم لو قدر أنه كان يستحق النفي الدائم ، فغاية ذلك أن يكون اجتهادا اجتهده  عثمان  في رده ، لصاحبه أجر مغفور له ، أو ذنبا له أسباب كثيرة توجب غفرانه . 
				
						
						
