الوجه الرابع عشر : أن الألفاظ المذكورة في الحديث مما يعلم أنها كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن  عليا  ليس قائدا لكل البررة ، بل لهذه الأمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [1] ، ولا هو أيضا قاتلا لكل الكفرة ، بل قتل بعضهم ، كما قتل غيره بعضهم . وما أحد من المجاهدين القاتلين لبعض الكفار ، إلا وهو قاتل لبعض الكفرة . 
وكذلك قوله : " منصور من نصره ، مخذول [2] من خذله  " هو خلاف  [ ص: 21 ] الواقع . والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا ، لا سيما على قول الشيعة   ; فإنهم يدعون أن [3] الأمة كلها خذلته إلى قتل  عثمان   . 
ومن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في أعصار الخلفاء الثلاثة ، نصرا لم يحصل لها بعده مثله . ثم لما قتل  عثمان  ، وصار الناس ثلاثة أحزاب : حزب نصره وقاتل معه ، وحزب قاتلوه ، وحزب خذلوه لم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء - لم يكن الذين قاتلوا معه منصورين على الحزبين الآخرين ولا على الكفار ، بل أولئك [4] الذين نصروا عليهم ، وصار الأمر لهم ; لما تولى  معاوية  ، فانتصروا [5] على الكفار ، وفتحوا البلاد ، إنما [6] كان  علي  منصورا كنصر أمثاله في قتال الخوارج  والكفار [7]  . 
والصحابة الذين قاتلوا الكفار والمرتدين كانوا منصورين نصرا عظيما ، فالنصر [8] وقع كما وعد الله به حيث قال : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد   ) [ سورة غافر : 51 ] . 
فالقتال الذي كان بأمر الله وأمر رسوله من المؤمنين للكفار والمرتدين والخوارج  ، كانوا فيه منصورين [ نصرا عظيما ] [9] إذا اتقوا وصبروا ، فإن التقوى والصبر من تحقيق [10] الإيمان الذي علق به النصر . 
 [ ص: 22 ] وأيضا فالدعاء الذي ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب التصدق بالخاتم من أظهر الكذب . فمن المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت الحاجة إليه ، ما هو أعظم قدرا ونفعا من إعطاء سائل خاتما   . 
وفي الصحيحين [11] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما نفعني مال كمال  أبي بكر   " ، [12]  " إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده  أبو بكر  ، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت  أبا بكر  خليلا " [13]  . 
وقد تصدق  عثمان  بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة ، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ضر  عثمان  ما فعل بعد اليوم  " [14]  . 
 [ ص: 23 ] والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقة على سائل محتاج . ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تسبوا أصحابي ; فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد [15] أحدهم ولا نصيفه  " [16] أخرجاه في الصحيحين [17]  . 
قال تعالى : ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى   ) [ سورة الحديد : 10 ] . 
فكذلك الإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير يساويه . 
وأما إعطاء السؤال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة . فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل تلك النفقات [18] العظيمة النافعة الضرورية لا يدعو بمثل هذا الدعاء ، فكيف يدعو به [19] لأجل إعطاء خاتم لسائل قد يكون كاذبا في سؤاله ؟ . 
 [ ص: 24 ] ولا ريب أن هذا ومثله من كذب جاهل أراد أن يعارض ما ثبت [20]  لأبي بكر  بقوله : ( وسيجنبها الأتقى  الذي يؤتي ماله يتزكى  وما لأحد عنده من نعمة تجزى  إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى  ولسوف يرضى   ) [ سورة الليل : 17 - 21 ] . بأن يذكر  لعلي  شيئا من هذا الجنس ، فما أمكنه أن يكذب أنه فعل ذلك في أول الإسلام ، فكذب هذه الأكذوبة التي لا تروج إلا على مفرط في الجهل . 
وأيضا فكيف يجوز أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم في المدينة  بعد الهجرة والنصرة - : واجعل لي وزيرا من أهلي ،  عليا  اشدد به ظهري ، مع أن الله قد أعزه بنصره وبالمؤمنين ، [21] كما قال تعالي : ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين   ) [ سورة الأنفال : 62 ] ، وقال : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا   ) [ سورة التوبة : 40 ] . 
فالذي كان معه حين نصره الله ; إذ أخرجه الذين كفروا  ، هو  أبو بكر  وكانا اثنين الله ثالثهما ، وكذلك لما كان يوم بدر   ; لما صنع له عريش كان الذي دخل معه في العريش دون سائر الصحابة  أبو بكر  [22] ، وكل من الصحابة له في نصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعي مشكور وعمل مبرور . 
وروي أنه لما جاء  علي  بسيفه يوم أحد  ، قال  لفاطمة   : اغسليه يوم أحد   [ ص: 25 ] غير ذميم . فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن تك أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وفلان  " فعدد جماعة من الصحابة [23]  . 
ولم يكن  لعلي  اختصاص بنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمثاله ، ولا عرف موطن احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إلى معونة  علي  وحده ، لا باليد ولا باللسان ، ولا كان إيمان الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاعتهم له لأجل  علي  ، بسبب دعوة علي لهم ، وغير ذلك من الأسباب الخاصة ، كما كان هارون  وموسى  ، فإن بني إسرائيل  كانوا يحبون هارون  جدا ويهابون موسى  ، وكان هارون  يتألفهم . 
والرافضة  تدعي أن الناس كانوا يبغضون  عليا  ، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه . فكيف يقال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتاج إليه ، كما احتاج موسى  إلى هارون  ؟ . 
وهذا  أبو بكر الصديق  أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة :  عثمان  ،  وطلحة  ،  والزبير  ، وسعد  [24] ،  وعبد الرحمن بن عوف  ، وأبو عبيدة   . ولم يعلم أنه أسلم على يد  علي   وعثمان  وغيرهما أحد من السابقين الأولين من المهاجرين  والأنصار   . 
 ومصعب بن عمير  هو الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة  لما بايعه الأنصار  ليلة العقبة ، وأسلم على يده رءوس الأنصار  كسعد بن معاذ  الذي اهتز عرش الرحمن لموته [25] ،  وأسيد بن حضير  وغير هؤلاء . 
 [ ص: 26 ] وكان  أبو بكر  يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو معه الكفار إلى الإسلام في الموسم ، ويعاونه معاونة عظيمة في الدعوة ، بخلاف غيره . ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح : " لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت  أبا بكر  خليلا  " [26]  . 
وقال : " أيها [27] الناس إني جئت إليكم ، فقلت : إني رسول الله ، فقلتم : كذبت . وقال  أبو بكر   : صدقت . فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ [28]  " . 
ثم إن موسى  دعا بهذا الدعاء قبل أن يبلغ الرسالة إلى الكفار ليعاون عليها . ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ الرسالة لما بعثه الله : بلغها وحده ، وأول من آمن به باتفاق أهل الأرض أربعة ، أول من آمن به من الرجال  أبو بكر   ، ومن النساء  خديجة   ، ومن الصبيان  علي  ، ومن الموالي زيد   . 
وكان أنفع الجماعة في الدعوه باتفاق الناس  أبو بكر  ، ثم  خديجة   ; لأن  أبا بكر  هو أول رجل حر بالغ آمن به باتفاق الناس ، وكان له قدر عند قريش  لما كان فيه من المحاسن ، فكان أمن الناس عليه في صحبته وذات يده . ومع هذا فما دعا الله أن يشد أزره بأحد : لا  بأبي بكر  ولا بغيره ،  [ ص: 27 ] بل قام مطيعا لربه ، متوكلا عليه ، صابرا له ، كما أمره بقوله : ( قم فأنذر   . وربك فكبر   . وثيابك فطهر   . والرجز فاهجر   . ولا تمنن تستكثر   . ولربك فاصبر   ) [ سورة المدثر : 2 - 7 ] وقال : ( فاعبده وتوكل عليه   ) [ سورة هود : 123 ] . 
فمن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يشد أزره بشخص من الناس ، كما سأل موسى  أن يشد أزره بهارون  ، فقد افترى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخسه حقه . ولا ريب أن الرفض مشتق من الشرك والإلحاد والنفاق ، لكن تارة يظهر [ لهم ] [29] ذلك فيه [30] وتارة يخفى . 
				
						
						
