فصل
قال الرافضي [1] : " البرهان العشرون : قوله تعالى : ( وتعيها أذن واعية ) [ سورة الحاقة : 12 ] في تفسير الثعلبي ، قال : قال رسول الله [ ص: 171 ] - صلى الله عليه وسلم - : سألت الله - عز وجل - أن يجعلها أذنك يا علي [2] . ومن طريق أبي نعيم ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ يا علي ] [3] إن الله أمرني أن أدنيك [4] وأعلمك ، [5] يا علي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك [6] لتعي ، وأنزلت علي [7] هذه الآية : ( وتعيها أذن واعية ) فأنت أذن واعية [8] . وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره ، فيكون هو الإمام " .
والجواب من وجوه : أحدها : بيان صحة الإسناد . والثعلبي وأبو نعيم يرويان ما لا يحتج به بالإجماع .
الثاني : أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم [9] 348 .
الثالث : أن قوله : ( لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) [ سورة الحاقة : 11 - 12 ] لم يرد به أذن واحد من الناس فقط ، فإن هذا خطاب لبني آدم .
وحملهم في السفينة من أعظم الآيات . قال تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) [ سورة يونس : [10] [ ص: 172 ] 41 ، 42 ] وقال : ( ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) [ سورة لقمان : 31 ] ، فكيف يكون ذلك كله ليعي ذلك واحد من الناس ؟
نعم أذن علي من الأذن الواعية ، كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم . وحينئذ فلا اختصاص لعلي بذلك . وهذا مما يعلم بالاضطرار : أن الآذان الواعية ليست أذن علي وحدها . أترى أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست واعية ؟ ولا أذن الحسن والحسين وعمار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم ؟
وإذا كانت الأذن الواعية له ولغيره ، لم يجز أن يقال : هذه الأفضلية لم تحصل لغيره .
ولا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة ; فإنه لا يعلم في طوائف أهل البدع أوهى من حجج الرافضة ، بخلاف المعتزلة ونحوهم ، فإن لهم حججا وأدلة قد تشبه على كثير من أهل العلم والعقل . أما الرافضة فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالم صاحب هوى ، يقبل ما يوافق هواه ، سواء كان حقا أو باطلا .
ولهذا يقال فيهم ليس لهم عقل ولا نقل ، ولا دين صحيح ، ولا دنيا منصورة .
[ ص: 173 ] وقالت طائفة من العلماء : لو علق حكما بأجهل الناس لتناول الرافضة ، مثل أن يحلف : إني أبغض أجهل الناس ، ونحو ذلك . وأما لو وصى لأجهل الناس فلا تصح الوصية ; لأنها لا تكون إلا قربة فإذا وصى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز ، بخلاف ما لو جعل الكفر والجهل جهة وشرطا في الاستحقاق .
ثم الرافضي يدعي في شيء أنه من فضائل علي ، وقد لا يكون كذلك . ثم يدعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره ، وقد تكون من الفضائل المشتركة ; فإن فضائل علي الثابتة [11] عامتها مشتركة بينه وبين غيره ، بخلاف فضائل أبي بكر وعمر ، فإن عامتها خصائص لم يشاركا فيها . ثم يدعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة ، ومعلوم أن الفضيلة الجزئية في أمر من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا للإمامة ، ولا مختصة بالإمام [12] ، بل تثبت للإمام ولغيره ، وللفاضل المطلق ولغيره .
فبنى [13] هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث ، والثلاث باطلة [14] . ثم يردفها بالمقدمة الرابعة ، وتلك فيها نزاع ، لكن نحن لا ننازعه فيها ، بل نسلم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة ، لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك [15] .


