[ ص: 304 ] الرابع : أن بني عبد المطلب  لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية ; فإنها نزلت بمكة  في أول الأمر ، ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ; فإن بني عبد المطلب  لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة :  العباس  ، وأبو طالب  ، والحارث  ، وأبو لهب   . وجميع ولد عبد المطلب  من هؤلاء الأربعة ، وهم بنو هاشم  ، ولم يدرك [1]  . النبوة من عمومته إلا أربعة :  العباس  ،  وحمزة  ، وأبو طالب  وأبو لهب   . فآمن اثنان ، وهما :  حمزة  ،  والعباس  [2] ، وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه ، وهو أبو طالب  ، والآخر عاداه وأعان أعداءه ، وهو أبو لهب   . 
وأما العمومة وبنو العمومة ، فأبو طالب  كان له أربعة بنين : طالب  ،  وعقيل  ، وجعفر  ،  وعلي   . وطالب  لم يدرك الإسلام ، وأدركه الثلاثة فآمن  علي  ، وجعفر  في أول الإسلام ، وهاجر جعفر  إلى أرض الحبشة  ، ثم إلى المدينة  عام خيبر   . 
وكان [ عقيل ] [3]  . قد استولى على رباع [4]  . بني هاشم  لما هاجروا وتصرف فيها ، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته : " ننزل غدا في دارك بمكة   " قال : " وهل ترك لنا عقيل  من دار ؟  " [5]  . 
 [ ص: 305 ] وأما  العباس  فبنوه كلهم صغار ; إذ لم يكن [6]  . فيهم بمكة  رجل ، وهب أنهم كانوا رجالا فهم : عبد الله  ، وعبيد الله  ، والفضل  ، وأما قثم  فولد بعدهم ، وأكبرهم الفضل  ، وبه كان يكنى ، وعبد الله  ولد في الشعب  بعد نزول قوله : ( وأنذر عشيرتك الأقربين   ) ( سورة الشعراء : 214 ) ، وكان له في الهجرة له : [7]  . نحو ثلاث سنين ، أو أربع سنين ، ولم يولد  للعباس  في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل  ، وعبد الله  ، وعبيد الله  ، وأما سائرهم فولدوا بعده . 
وأما الحارث بن عبد المطلب  ، وأبو لهب  فبنوهما أقل ، والحارث  كان له ابنان  أبو سفيان  ، وربيعة  ، وكلاهما تأخر إسلامه ، وكان من مسلمة الفتح . 
وكذلك بنو أبي لهب  تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح ، وكان له ثلاثة ذكور ، فأسلم منهم اثنان : عتبة  ومغيث  ، وشهد الطائف  وحنينا  ، وعتيبة  دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء  [8] من الشام  كافرا [9]  . 
 [ ص: 306 ] فهؤلاء بنو عبد المطلب  لا يبلغون عشرين رجلا ، فأين الأربعون ؟ . 
الخامس : قوله : " إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ، ويشرب الفرق من اللبن  " فكذب [10]  . على القوم ، ليس بنو هاشم  معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ، ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ، ولا يشرب فرقا . 
السادس : أن قوله للجماعة : " من يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي  " كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز نسبته إليه ، فإن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله ، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين ، وأعانوه على هذا الأمر ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته [11] ، وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم ، وصبروا على الشتات بعد الألفة ، وعلى الذل بعد العز ، وعلى الفقر بعد الغنى ، وعلى الشدة بعد الرخاء ، وسيرتهم معروفة مشهورة ، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك [12]  . خليفة له . 
 [ ص: 307 ] وأيضا فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه - أو أكثرهم أو عدد منهم - فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين واحدا [13]  . بلا موجب ؟ أم يجعل [14]  . الجميع خلفاء في وقت واحد ؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة ، والأخوة والمؤازرة ، إلا بأمر سهل ، وهو الإجابة على الشهادتين ، والمعاونة على هذا الأمر ، وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة ، إلا وله من هذا نصيب وافر ، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ! 
السابع : أن  حمزة  ،  وجعفرا  ،  وعبيدة بن الحارث  أجابوا إلى ما أجابه  علي  من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر ، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر ، بل  حمزة  أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في دار  الأرقم بن أبي الأرقم  ، وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم  ، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب  كلهم في دار واحدة ، فإن أبا لهب  كان مظهرا لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما حصر بنو هاشم  في الشعب  لم يدخل معهم أبو لهب   . 
( الثامن ) [15]  . : أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا ، ففي الصحيحين عن  ابن عمر   وأبي هريرة   - واللفظ له - عن النبي صلى الله  [ ص: 308 ] عليه وسلم لما نزلت: ( وأنذر عشيرتك الأقربين   ) ( سورة الشعراء : 214 ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا  فاجتمعوا فخص وعم فقال : " يا بني كعب بن لؤي  أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب  أنقذوا أنفسكم من النار ( 1 يا بني عبد شمس  أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف  أنقذوا أنفسكم من النار 1 ) [16]  . ، يا بني هاشم  أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب  أنقذوا أنفسكم من النار يا  فاطمة ( بنت محمد   ) [17]  . أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها  " [18]  . 
وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال : " يا معشر قريش  اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني عبد المطلب  لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا  صفية  عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ، يا  فاطمة بنت محمد  لا أغني عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من مالي  " [19]  . 
وخرجه  مسلم  من حديث ابن  [ ص: 309 ] المخارق  ، وزهير بن عمرو  [20] ، ومن [21]  . حديث  عائشة  ، وقال فيه : " قام علي الصفا   " [22]  . 
وقال في حديث قبيصة   : " انطلق إلى رضمة من جبل ، فعلا أعلاها حجرا [23]  . ، ثم نادى : " يا بني عبد مناف  إني لكم نذير ، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف: يا صباحاه  " [24]  . 
وفي الصحيحين من حديث  ابن عباس  قال : " لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله وسلم حتى صعد الصفا  فهتف : " يا صباحاه " [25]  . فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد  ، فاجتمعوا إليه فجعل ينادي : " يا بني فلان ، يا بني عبد مناف  ، يا بني عبد المطلب   " ، وفي رواية : " يا بني فهر  ، يا بني عدي  ، يا بني فلان " لبطون قريش  ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو فاجتمعوا ، فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم  [ ص: 310 ] مصدقي ؟ " قالوا : ما جربنا عليك كذبا ، قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " قال : فقال أبو لهب   : تبا لك أما [26]  . جمعتنا إلا لهذا ؟ ! فقام فنزلت هذه [27]  . السورة: ( تبت يدا أبي لهب وتب   )  ( سورة المسد : 1 ) [28]  . 
وفي رواية :  " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقوني ؟ " قالوا : بلى [29]  . 
فإن قيل : فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل  كالثعلبي   والبغوي  وأمثالهما  والمغازلي  [30]  . 
قيل له : مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث ، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع ، وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب ، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب . 
 والثعلبي  وأمثاله لا يتعمدون الكذب [31]  . ، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك ، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ، ويروون ما سمعوه ، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث ، كشعبة  ،  ويحيى بن سعيد القطان  ،  وعبد الرحمن بن مهدي  ،  وأحمد بن حنبل  ،  وعلي بن  [ ص: 311 ] المديني  ،  ويحيى بن معين  ، وإسحاق  ، ومحمد بن يحيى الذهلي  ،  والبخاري  ،  ومسلم  ،  وأبي داود  ،  والنسائي  ، وأبي حاتم  وأبي زرعة  الرازيين ،  وأبي عبد الله بن منده  ،  والدارقطني  ، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي من الصحابة والتابعين ( وتابعيهم ) [32] ، ومن بعدهم من نقلة العلم . 
وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار ، وأسماءهم ، وذكروا أخبارهم ، وأخبار من أخذوا عنه ، ومن أخذ عنهم مثل " كتاب العلل وأسماء الرجال " عن  يحيى القطان  ،  وابن المديني  ،  وأحمد  ،  وابن معين  [33]  . ،  والبخاري  ،  ومسلم  ، وأبي زرعة  ، وأبي حاتم  ،  والنسائي  ،  والترمذي  ، وأحمد بن عدي  ،  وابن حبان  ، وأبي الفتح الأزدي  ،  والدارقطني  ، وغيرهم . 
وتفسير  الثعلبي  فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة ، ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور : سورة سورة . 
وقد ذكر هذا الحديث  الزمخشري   والواحدي  [34] ، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث ، وكذلك غير هذا . 
 [ ص: 312 ] وكذلك  الواحدي  تلميذ  الثعلبي  ،  والبغوي  اختصر تفسيره من تفسير  الثعلبي   والواحدي  ، لكنهما أخبر [35]  . بأقوال المفسرين منه ،  والواحدي  أعلم بالعربية من هذا وهذا ،  والبغوي  أتبع للسنة منهما . 
وليس لكون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق ، كما أن كونه من الشيعة  لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا ، بل الاعتبار بميزان العدل .  
وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصول ، والأحكام ، والزهد ، والفضائل ، ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة ، وفضائل  معاوية   . 
ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف كما فعله أبو نعيم  في فضائل الخلفاء ، وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل ، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس  ، وأبو علي الأهوازي  ، وغيرهما في فضائل  معاوية  ، ومثل ما جمعه  النسائي  في فضائل  علي  ، وكذلك ما جمعه  أبو القاسم بن عساكر  في فضائل  علي  وغيره ، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه ، فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم . 
وأما من يذكر الحديث بلا إسناد من المصنفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق ، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة ، ويذكر بعضهم  [ ص: 313 ] أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة ، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					