فصل 
قال الرافضي : [1]  " المنهج الثالث في الأدلة المستندة [2]  . إلى السنة المنقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي اثنا عشر . 
الأول : ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين   ) [ سورة الشعراء : 214 ] جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب  في دار أبي طالب  [3] ، وهم أربعون رجلا وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة [4]  . مع مد من البر [5]  . ويعد لهم  [ ص: 298 ] صاع [6]  . من اللبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد ، ويشرب الفرق [7]  . من الشراب في ذلك المقام ، فأكلت الجماعة كلهم [8]  . من ذلك [ الطعام ] [9]  . اليسير حتى شبعوا ، ولم يتبين ما أكلوه [10]  . ، فبهرهم [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] بذلك [11]  . ، وتبين لهم آية نبوته [12]  . ، فقال [13]  . : يا بني عبد المطلب ، إن الله بعثني [ بالحق ] [14]  . إلى الخلق كافة ، وبعثني إليكم خاصة ، فقال : ( وأنذر عشيرتك الأقربين   ) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتن في الميزان ، تملكون بهما ) [15]  . العرب والعجم ، وتنقاد [16]  . لكم بهما [17]  . الأمم ، وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، فمن يجبني إلى هذا الأمر ، ويؤازرني على القيام به يكن  [ ص: 299 ] أخي ووزيري ، ووصيي [18]  . ووارثي ، وخليفتي من بعدي . فلم يجبه أحد منهم . فقال أمير المؤمنين : أنا يا رسول الله أؤازرك [19]  . على هذا الأمر . فقال : اجلس . ثم أعاد القول على القوم ثانية [20]  . فصمتوا . فقال  علي   : فقمت [21]  . فقلت مثل مقالتي الأولى ، فقال : اجلس ، ثم أعاد القول ثالثة [22]  . ، فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقمت فقلت : أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر . فقال : اجلس فأنت أخي ووزيري . ووصيي [23]  . ووارثي ، وخليفتي من بعدي   . فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب   : ليهنئك [24]  . اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا [25]  . عليك "  . 
والجواب من وجوه : الأول : المطالبة بصحة النقل . وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث [26]  . ، فإن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل : لا في الصحاح ولا في المساند ) [27]  . والسنن والمغازي والتفسير التي  [ ص: 300 ] يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به [28]  . ، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها [29]  . الصحيح والضعيف ، مثل تفسير  الثعلبي   والواحدي   والبغوي  ، بل  وابن جرير   وابن أبي حاتم  ، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم ; فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف ، فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف . 
وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض [30]  . كتب التفسير التي فيها الغث والسمين ، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة ، مع أن كتب التفسير التي يوجد [31] فيها هذا [32]  . مثل [33]  . تفسير  ابن جرير  ،  وابن أبي حاتم  ،  والثعلبي  ،  والبغوي  ، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا ، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية ، فإنهم ذكروا * مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ، ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا * [34]  . ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة ، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ; ليذكر  [ ص: 301 ] أقوال الناس وما نقلوه فيها ، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح ، وبعضه كذب ، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف [35]  . وأمثاله واحد بذكر [36]  . بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات ، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك - كان هذا من أفسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له ، ولم تثبت عدالته ، بل ثبت جرحه ، وقد ناقضه عدول كثيرون [37]  . يشهدون بما يناقض شهادته ، أو يحتج [38]  . برواية واحد لم تثبت عدالته ، بل ثبت جرحه ويدع روايات [39]  . كثيرين عدول وقد رووا [40]  . ما يناقض ذلك . 
بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين : أيهما أثبت وأرجح ؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة [41]  . لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة ، بل هذا الحديث مناقض لما [42]  . علم بالتواتر ، وكثير [43]  . من أئمة التفسير لم يذكروا [44]  . هذا بحال لعلمهم أنه باطل . 
 [ ص: 302 ] الثاني : أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين : إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ، ولو أنه مسألة فرعية ، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم . 
فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع ، لم تقم الحجة على المناظرة [45]  . إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة ، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك  فأما إذا لم يعلم إسناده ، ولم يثبته [46]  . أئمة النقل ، فمن أين يعلم ؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة ، فكيف يقبل [47]  . في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل [48]  . ولا يعرف أن عالما صححه . 
الثالث : أن هذا الحديث كذب [49]  . عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع [50]  . ، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب . 
وقد رواه  ابن جرير   والبغوي  بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد ، أبو مريم الكوفي  [51]  . ، وهو مجمع على تركه ، كذبه  سماك بن حرب  ، وأبو  [ ص: 303 ] داود  ، وقال  أحمد   : ليس بثقة ، عامة أحاديث بواطيل [52]  . قال يحيى   : ليس بشيء ، قال ابن المديني   : كان يضع الحديث ، وقال  النسائي  وأبو حاتم   : متروك الحديث ، وقال ابن حبان البستي   : كان عبد الغفار بن قاسم  يشرب الخمر حتى يسكر ، وهو مع ذلك يقلب الأخبار ، لا يجوز الاحتجاج به ، وتركه  أحمد  ، ويحيى  [53]  . 
ورواه  ابن أبي حاتم  ، وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس  ، وهو ليس بثقة ، وقال فيه  يحيى بن معين   : ليس بشيء رافضي خبيث ، وقال  النسائي   : ليس بثقة ، وقال  الدارقطني   : ضعيف [54]  . 
وإسناد  الثعلبي  أضعف ; لأن فيه من لا يعرف ، وفيه من الضعفاء والمتهمين [55]  . من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					