فصل . 
قال الرافضي [1]  : " التاسع : ما رواه الجمهور أنه أمر الصحابة [2]  [ ص: 386 ] بأن يسلموا على  علي  بإمرة المؤمنين  ، وقال : إنه [3] سيد المسلمين [4] ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، وقال : هذا ولي كل مؤمن بعدي [5] ، وقال في حقه : إن عليا مني وأنا منه أولى بكل مؤمن [6] ومؤمنة فيكون  علي  وحده هو الإمام لذلك ، وهذه نصوص في الباب [7]  " . 
والجواب من وجوه : 
أحدها : المطالبة بإسناده وبيان صحته ، وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته ، فأما قوله : " رواه الجمهور " فكذب ، فليس هذا في كتب الأحاديث [8] المعروفة لا الصحاح ، ولا المساند ، ولا السنن ، وغير ذلك ، فإن كان رواه بعض حاطبي الليل ، كما يروي أمثاله ، فعلم مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين . 
والله تعالى قد حرم علينا الكذب ، وأن نقول عليه ما لا نعلم  ، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار  " [9]  . 
الوجه الثاني : أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ،  [ ص: 387 ] وكل من له أدنى معرفة بالحديث [10] يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه لا الصحاح ، ولا السنن ، ولا المساند [11] المقبولة . 
الثالث : أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قائل [12] هذا كاذب ، والنبي صلى الله عليه وسلم [13] منزه عن الكذب ، وذلك أن سيد المسلمين [14] ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق المسلمين . 
فإن قيل :  علي  هو سيدهم بعده . 
قيل : ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا ( التأويل ) [15] ، بل هو مناقض لهذا ; لأنه أفضل المسلمين المتقين المحجلين هم القرن الأول ، ولم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سيد ولا إمام  [ ص: 388 ] ولا قائد غيره ، فكيف يخبر عن شيء بعد إن لم يحضر [16] ، ويترك الخبر عما هو أحوج إليه ، وهو حكمهم في الحال ؟ 
ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن [17] يقود  علي  ؟ 
وأيضا فعند الشيعة  جمهور المسلمين المحجلين كفار أو فساق ، فلمن يقود ؟ 
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وددت أني قد رأيت إخواني " ، قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : " أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم [18] يأتوا بعد " . 
قالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله قال : " أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله قال : " فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض  " الحديث [19]  . 
فهذا يبين أن كل من توضأ وغسل وجهه ويديه ورجليه ، فإنه من الغر المحجلين  ، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون  أبا بكر   وعمر  ، والرافضة  لا تغسل بطون أقدامها ، ولا أعقابها فلا يكونون من المحجلين   * في الأرجل ، وحينئذ فلا يبقى أحد من الغر المحجلين يقودهم ، ولا يقادون  [ ص: 389 ] مع الغر المحجلين * [20] ؛ فإن الحجلة لا تكون إلا [21] في ظهر القدم ، وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد [22]  . 
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار  " [23]  . 
ومعلوم أن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجلا ، وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل ، فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجلين ، فيكون قائد الغر المحجلين بريئا منه كائنا من كان . 
ثم كون  علي  سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يعلم بالاضطرار أنه كذب ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئا من ذلك ، بل كان يفضل عليه  أبا بكر   وعمر  تفضيلا بينا ظاهرا ، عرفه الخاصة والعامة [24] ، حتى أن المشركين كانوا يعرفون ( منه ) [25] ذلك . 
ولما كان يوم أحد  قال  أبو سفيان  ، وكان حينئذ أمير المشركين : أفي القوم محمد  ؟ أفي القوم محمد  ؟ ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه  [ ص: 390 ] وسلم : " لا تجيبوه " ، فقال : أفي القوم  ابن أبي قحافة  ؟ أفي القوم  ابن أبي قحافة  ؟ ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تجيبوه " ، فقال : أفي القوم ابن الخطاب  ؟ أفي القوم ابن الخطاب  ؟ ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تجيبوه " ، فقال  أبو سفيان  لأصحابه : أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك  عمر  نفسه أن قال : كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء ، وقد بقي لك ما يسوءك ، وقد ذكر باقي الحديث رواه  البخاري  وغيره [26]  . 
فهذا مقدم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر  ،  وعمر  لعلمه وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رءوس هذا الأمر ، وأن قيامه بهم ، ودل ذلك على أنه كان ظاهرا عند الكفار [27] أن هذين وزيراه ، وبهما تمام أمره ، وأنهما أخص الناس به ، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما . 
وهذا أمر كان [28] معلوما للكفار فضلا عن المسلمين ، والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا ، وكما في الصحيحين عن  ابن عباس  قال : وضع  عمر  على سريره فتكنفه الناس يدعون له ويثنون ( عليه ) [29] ويصلون عليه قبل أن يرفع ، وأنا فيهم فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت ، فإذا هو  علي  فترحم على  عمر  ، وقال ما خلفت [30] أحدا  [ ص: 391 ] أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " جئت أنا  وأبو بكر   وعمر  ، ودخلت أنا  وأبو بكر   وعمر  ، وخرجت أنا  وأبو بكر   وعمر  ، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما  " [31]  . 
فلم يكن تفضيلهما عليه ، وعلى أمثاله مما [32] يخفى على أحد ، ولهذا كانت الشيعة  القدماء الذين أدركوا  عليا  يقدمون  أبا بكر   وعمر  عليه إلا من ألحد منهم ، وإنما كان نزاع من نازع منهم في  عثمان   . 
وكذلك قوله : " هو ولي كل مؤمن بعدي  " كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن ، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات ، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان ، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها : والي [33] كل مؤمن بعدي ، كما يقال في صلاة الجنازة : إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر ، وقيل يقدم الولي . 
فقول [34] القائل : "  علي  ولي كل مؤمن بعدي  " كلام يمتنع نسبته إلى  [ ص: 392 ] النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي ، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول : وال على كل مؤمن . 
وأما قوله  لعلي   : " أنت مني وأنا منك  " فصحيح [35] في غير هذا الحديث ثبت أنه قال له ذلك عام القضية لما تنازع هو وجعفر   وزيد ابن حارثة  في حضانة بنت  حمزة  فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بها لخالتها ، وكانت تحت جعفر  ، وقال : " الخالة أم " وقال  لجعفر   : " أشبهت خلقي وخلقي " وقال  لعلي   : " أنت مني وأنا منك " وقال لزيد   : " أنت أخونا ومولانا " [36]  . 
وفي الصحيحين عنه أنه قال : " إن الأشعريين  إذا أرملوا في السفر ، أو نقصت [37] نفقة عيالاتهم [38] بالمدينة  جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية هم مني وأنا منهم  " [39]  . 
فقال للأشعريين   : " هم مني ، وأنا منهم  " ، كما قال  لعلي   : " أنت مني ( وأنا منك ) [40]  " . وقال لجليبيب  [41]  : " هذا مني وأنا منه  " [42] ، فعلم أن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة ، ولا على أن من قيلت له كان هو أفضل الصحابة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					