الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              باب عكرمة

                                                              1838 - عكرمة بن أبي جهل، واسم أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي المخزومي.

                                                              كان أبو جهل يكنى أبا الحكم، فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فذهبت.

                                                              كان عكرمة شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية هو وأبوه، وكان فارسا مشهورا، هرب حين الفتح، فلحق باليمن، ولحقت به امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: مرحبا بالراكب المهاجر،  فأسلم، وذلك سنة ثمان بعد الفتح، وحسن إسلامه، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن عكرمة يأتيكم، فإذا رأيتموه فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي.  ولما أسلم عكرمة شكا قولهم [عكرمة بن أبي جهل ] ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا عكرمة بن أبي جهل، وقال: لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات. وكان عكرمة مجتهدا في قتال المشركين مع المسلمين، استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حج على هوازن يصدقها. ووجهه أبو بكر إلى عمان، وكانوا ارتدوا، فظهر عليهم، ثم وجهه أبو بكر إلى اليمن، وولى عمان حذيفة القلعاني، [ ص: 1083 ] ثم لزم عكرمة الشام مجاهدا حتى قتل يوم اليرموك في خلافة عمر رضي الله عنهما، هذا قول ابن إسحاق.

                                                              واختلف في ذلك قول الزبير، فمرة قال: قتل يوم اليرموك شهيدا.

                                                              وقال في موضع آخر: استشهد عكرمة يوم أجنادين . .. وقيل: إنه قتل يوم مرج الصفر، [وكانت أجنادين ومرج الصفر ] في عام واحد سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. وقال الحسن بن عثمان الزيادي:

                                                              استشهد من المسلمين بأجنادين ثلاثة عشر رجلا، منهم عكرمة بن أبي جهل، وهو ابن اثنتين وستين سنة. وأجنادين من أرض فلسطين بين الرملة وأبيات جبرين، ويقال جبرون.

                                                              ذكر الزبير، حدثني محمد بن الضحاك بن عثمان، عن أبيه - قال: لما أسلم عكرمة قال: يا رسول الله، علمني خير شيء تعلمه حتى أقوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. فقال عكرمة: أنا أشهد بهذا، وأشهد بذلك من حضرني، وأسألك يا رسول الله أن تستغفر لي، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عكرمة: والله لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالا قاتلته إلا قاتلت ضعفه، وأشهدك يا رسول الله.

                                                              ثم اجتهد في العبادة حتى قتل زمن عمر رضي الله عنه بالشام [ ص: 1084 ] .

                                                              حدثني محمد بن أحمد ، حدثني أحمد بن الفضل، حدثنا أحمد بن جرير ، حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، أن عكرمة بن أبي جهل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: مرحبا بالراكب المهاجر،  قال:

                                                              فقلت: ما أقول يا رسول الله؟ فقال: قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
                                                              وذكر معنى حديث الضحاك بن عثمان عن أبيه.

                                                              وذكر الزبير، قال: حدثني عمي، عن جده عبد الله بن مصعب، قال:

                                                              استشهد باليرموك الحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه، كلما دفع إلى رجل منهم قال: اسق فلانا حتى ماتوا ولم يشربوه. قال: طلب عكرمة الماء، فنظر إلى سهيل ينظر إليه، فقال: ادفعه إليه، فنظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه، فقال: ادفعه إليه، فلم يصل إليه حتى ماتوا.

                                                              وذكر هذا الخبر محمد بن سعد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، قال:

                                                              حدثني أبو يونس القشيري، قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت، فذكر القصة إلا أنه جعل مكان سهيل بن عمرو عياش بن أبي ربيعة. قال محمد بن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فأنكره، وقال: هذا وهم، روينا عن أصحابنا من أهل العلم والسيرة - أن عكرمة بن أبي جهل قتل يوم أجنادين شهيدا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، لا خلاف بينهم في ذلك [ ص: 1085 ] .

                                                              حدثنا أحمد، عن أبيه، عن عبد الله، عن بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، قال: لما أسلم عكرمة بن أبي جهل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، والله لا أنزل مقاما قمته لأصد به عن سبيل الله إلا قمت مثله في سبيل الله تعالى، ولا أترك نفقة أنفقها لأصد عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله عز وجل.

                                                              قال: فلما كان يوم اليرموك نزل فترجل فقاتل قتالا شديدا، فقتل رحمة الله عليه، فوجد به بضع وسبعون من بين طعنة و ضربة ورمية.


                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية