الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلتا الجنتين آتت أكلها  ولم يقل: أتتا وذلك أن (كلتا) ثنتان لا يفرد واحدتهما، وأصله كل كما تقول للثلاثة كل، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع، لا أن يفرد للواحدة شيء فجاز توحيده على مذهب كل. وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في كلتا. وكذلك فافعل بكلتا وكلا وكل إذا أضفتهن إلى معرفة وجاء الفعل بعدهن، فاجمع ووحد.

                                                                                                                                                                                                                                      من التوحيد قوله وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ومن الجمع وكل أتوه داخرين و (آتوه) مثله. وهو كثير في القرآن وسائر الكلام. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      وكلتاهما قد خط لي في صحيفتي فلا العيش أهواه ولا الموت أروح



                                                                                                                                                                                                                                      وقد تفرد العرب إحدى كلتا وهم يذهبون بإفرادها إلى اثنتيها، أنشدني بعضهم.


                                                                                                                                                                                                                                      في كلت رجليها سلامى واحده     كلتاهما مقرونة بزائده



                                                                                                                                                                                                                                      يريد بكلت كلتا.

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب تفعل ذلك أيضا في (أي) فيؤنثون ويذكرون، والمعنى التأنيث، من ذلك قول الله تبارك [ ص: 143 ] وتعالى وما تدري نفس بأي أرض تموت ويجوز في الكلام بأية أرض. ومثله (في أي صورة) يجوز في الكلام في أية صورة. وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      بأي بلاء أم بأية نعمة     يقدم قبلي مسلم والمهلب



                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أيتهما قال ذاك. وقالت ذاك أجود. فتذكر وقد أدخلت الهاء، تتوهم أن الهاء ساقطة إذا جاز للتأنيث بأي أرض تموت وكذلك يجوز أن تقول للاثنتين : كلاهما وكلتاهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      كلا عقبيه قد تشعب رأسها     من الضرب في جنبي ثفال مباشر



                                                                                                                                                                                                                                      الثفال: البعير البطيء فإن قال قائل: إنما استجزت توحيد (كلتا) لأن الواحد منهما لا يفرد فهل تجيز: الاثنتان قام وتوحد، والاثنان قام إذ لم يفرد له واحد؟

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: إن الاثنين بنيا على واحد ولم يبن (كلا) على واحد، ألا ترى أن قولك: قام عبد الله كله خطأ، وأنك تجد معنى الاثنين على واحد كمعنى الثلاثة وزيادات العدد، ولا يجوز إلا أن تقول: الاثنان قاما والاثنتان قامتا.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي في قراءة عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                                      كل الجنتين آتى أكله

                                                                                                                                                                                                                                      ومعناه كل شيء من ثمر الجنتين آتى أكله. ولو أراد جمع الثنتين ولم يرد كل الثمر لم يجز إلا كلتاهما، ألا ترى أنك لا تقول: قامت المرأتان كلهما، لأن (كل) لا تصلح لإحدى المرأتين وتصلح لإحدى الجنتين. فقس على هاتين كل ما يتبعض مما يقسم أو لا يقسم [ ص: 144 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله وفجرنا خلالهما نهرا يقال: كيف جاز التشديد وإنما النهر واحد؟ قلت: لأن النهر يمتد حتى صار التفجر كأنه فيه كله فالتخفيف فيه والتثقيل جائزان. ومثله حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يثقل ويخفف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية