وإنما جاز أن يقول (ذات) للحدائق وهي جمع لأنك تقول، هذه حدائق كما تقول: هذه حديقة.
ومثله قول الله ولله الأسماء الحسنى ولم يقل الحسن و (القرون الأولى) ولو كانت حدائق ذوات بهجة كان صوابا. وقال الأعشى في توحيدها:
فسوف يعقبنيه إن ظفرت به رب غفور وبيض ذات أطهار
ولم يقل: ذوات أطهار. وإنما يقال: حديقة لكل بستان عليه حائط. فما لم يكن عليه حائط لم يقل له: حديقة.
وقوله: أإله مع الله مردود على قوله أمن خلق كذا وكذا. ثم قال أإله مع الله خلقه. وإن شئت جعلت رفعه بمع كقولك: أمع الله ويلكم إله! ولو جاء نصبا أإلها مع الله على أن تضمر فعلا يكون به النصب كقولك: أتجعلون إلها مع الله، أو أتتخذون إلها مع الله.
والعرب تقول: أثعلبا وتفر كأنهم أرادوا: أترى ثعلبا وتفر. وقال بعض الشعراء:
أعبدا حل في شعبي غريبا ألؤما لا أبا لك واغترابا
يريد: أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب يقول لأسير أسره ليلا، فلما [ ص: 298 ] أصبح رآه أسود، فقال أعبدا سائر الليلة، كأنه قال: ألا أراني أسرت عبدا منذ ليلتي. وقال آخر:
أجخفا تميميا إذا فتنة خبت وجبنا إذا ما المشرفية سلت
فهذا في كل تعجب خاطبوا صاحبه، فإذا كان يتعجب من شيء ويخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفر منه، لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السابق. يبنى على هذا. وسمعت بعض بني عقيل ينشد لمجنون بني عامر:
أألبرق أم نارا لليلى بدت لنا بمنخرق من ساريات الجنائب
وأنشدني فيها:
بل البرق يبدو في ذرى دفئية يضيء نشاصا مشمخر الغوارب
وأنشدني فيها:
ولو نار ليلى بالشريف بدت لنا لحبت إلينا نار من لم يصاقب
فنصب كل هذا ومعه فعله على إضمار فعل منه، كأنه قال أأرى نارا بل أرى البرق. وكأنه قال.
ولو رأيت نار ليلى. وكذلك الآيتان الأخريان في قوله أإله مع الله