فإذا ألقيت من (لكن) الواو التي في أولها آثرت العرب تخفيف نونها.
وإذا أدخلوا الواو آثروا تشديدها. وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عما أصاب أول الكلام، فشبهت ببل إذ كان رجوعا مثلها ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما بمعنى واحد، والواو لا تصلح في بل، فإذا قالوا (ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بل) إذ لم تصلح الواو في (بل) ، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها واو دخلت لعطف لا لمعنى بل.
وإنما نصبت العرب بها إذا شددت نونها لأن أصلها: إن عبد الله قائم، فزيدت على (إن) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا ألا ترى أن الشاعر قال:
ولكنني من حبها لكميد
[ ص: 466 ] فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إن.وهى فيما وصلت به من أولها بمنزلة قول الشاعر:
لهنك من عبسية لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها
وصل (إن) هاهنا بلام وهاء كما وصلها ثم بلام وكاف. والحرف قد يوصل من أوله وآخره. فمما وصل من أوله (هذا) ، و (ها ذاك) ، وصل ب (ها) من أوله. ومما وصل من آخره. قوله: إما تريني ما يوعدون ، وقوله: لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وب (ما) . ونرى أن قول العرب: كم مالك، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر ب (كم) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها كما قالوا: لم قلت ذاك؟ ومعناه: لم قلت ذاك، ولما قلت ذاك؟
قال الشاعر:
يا أبا الأسود لم أسلمتني لهموم طارقات وذكر
وقال بعض العرب في كلامه وقيل له: منذ كم قعد فلان؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، فرده الكاف في (مذ) يدل على أن الكاف في (كم) زائدة. وإنهم ليقولون: كيف أصبحت، فيقول: كالخير، وكخير. وقيل لبعضهم: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهين.