أم (في المعنى) تكون ردا على الاستفهام على جهتين إحداهما: أن تفرق معنى "أي"، والأخرى أن يستفهم بها. فتكون على جهة النسق، والذي ينوى بها الابتداء إلا أنه ابتداء متصل بكلام. فلو ابتدأت كلاما ليس قبله كلام، ثم استفهمت لم يكن إلا بالألف أو بهل، ومن ذلك قول الله: الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه ، فجاءت أم وليس قبلها استفهام، فهذا دليل على أنها استفهام مبتدأ على كلام قد سبقه. وأما قوله: أم تريدون أن تسألوا رسولكم فإن شئت جعلته على مثل هذا، وإن شئت قلت: قبله استفهام فرد عليه وهو قول الله: ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير . وكذلك قوله: ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار فإن شئت جعلته استفهاما مبتدأ قد سبقه كلام، وإن شئت جعلته مردودا على قوله: ما لنا لا نرى رجالا
وقد قرأ بعض [ ص: 72 ] القراء: أتخذناهم سخريا يستفهم في "أتخذناهم سخريا" بقطع الألف لينسق عليه أم ؛ لأن أكثر ما تجيء مع الألف وكل صواب. ومثله: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ثم قال: أم أنا خير من هذا والتفسير فيهما واحد. وربما جعلت العرب "أم" إذا سبقها استفهام لا تصلح أي فيه على جهة بل فيقولون: هل لك قبلنا حق أم أنت رجل معروف بالظلم؟ يريدون: بل أنت رجل معروف بالظلم، وقال الشاعر:
فوالله ما أدري أسلمى تغولت أم النوم أم كل إلي حبيب
معناه [بل كل إلي حبيب] .
وكذلك تفعل العرب في "أو" فيجعلونها نسقا مفرقة لمعنى ما صلحت فيه "أحد"، و "إحدى" كقولك: اضرب أحدهما زيدا أو عمرا، فإذا وقعت في كلام لا يراد به أحد وإن صلحت جعلوها على جهة بل كقولك في الكلام: اذهب إلى فلان أو دع ذلك فلا تبرح اليوم. فقد دلك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأول وجعل "أو" في معنى "بل" ومنه قول الله: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون وأنشدني بعض العرب :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح
يريد: بل أنت.
[ ص: 73 ]
وقوله: فقد ضل سواء السبيل و سواء في هذا الموضع قصد، وقد تكون "سواء" في مذهب غير كقولك للرجل: أتيت سواءك.