قال الشاعر :
بفي الشامتين الصخر إن كان هدني رزية شبلي مخدر في الضراغم
ولم يقل: بأفواه الشامتين. وقال الآخر :
الواردون وثيم في ذرا سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس
وقال الآخر:
فباست بني عبس وأستاه طيئ وباست بني دودان حاشا بني نصر
فجمع ووحد. وقال الآخر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا فإن زمانكم زمن خميص
فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد، فيقال: خذ عن يمينك وعن شمالك لأن المكلم واحد والمتكلم كذلك، فكأنه إذا وحد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مسألة فيه. وكذلك قوله:
[ ص: 103 ]
بني عقيل ماذه الخنافق المال هدي والنساء طالق
وجبل يأوي إليه السارق
فقال: طالق لأن أكثر ما يجري الاستحلاف بين الخصم والخصم، فجرى في الجمع على كثرة المجرى في الأصل. ومثله (بفي الشامتين) وأشباهه.
وقوله: ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة فقال: (من دابة) لأن (ما) وإن كانت قد تكون على مذهب (الذي) فإنها غير مؤقتة، وإذا أبهمت غير موقتة أشبهت الجزاء، والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه. ولا تسقط من في هذا الموضع. وهو كثير في كتاب الله عز وجل. قال الله تبارك وتعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وقال ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن وقال أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء ولم يقل في شيء منه بطرح (من) كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن وما، فجعلوه بمن ليدل على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقتتين، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما، وكان دخول (من) أدل على ما لم يوقت من من وما، فلذلك لم تلقيا . ومثله قول الشاعر:
حاز لك الله ما آتاك من حسن وحيثما يقض أمرا صالحا تكن
وقال آخر:
عمرا حييت ومن يشناك من أحد يلق الهوان ويلق الذل والغيرا
وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول: لله دره من رجل، ثم يلقون (من) فيقولون لله دره رجلا.
فالرجل مترجم (لما قبله) وليس بحال، إنما الحال التي تنتقل مثل القيام والقعود، ولم ترد لله دره في حال رجوليته فقط، ولو أردت ذلك لم تمدحه كل المدح لأنك إذا قلت: لله درك قائما، فإنما تمدحه في القيام وحده.
فإن قلت: فكيف جاز سقوط من في هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال، وكان في الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسر حال عن اسم غير موقت فألزموها من. فإن قلت: قد قالت العرب: ما أتاني من أحد ، وما أتاني أحد ، فاستجازوا إلقاء من. قلت: جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شيء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا:
ما جاءني من رجل وما جاءني رجل.