وقوله: ولهم ما يشتهون (ما) في موضع رفع ولو كانت نصبا على: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون لكان ذلك صوابا. وإنما اخترت الرفع لأن مثل ذا من الكلام يجعل مكان لهم لأنفسهم [ ص: 106 ] ألا ترى أنك تقول: قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تقول: قد جعلت لك. وكل فعل أو خافض ذكرته من مكني عائد عليه مكنيا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثم تقول في المنصوب أنت قتلت نفسك وفي المرفوع أهلكتك نفسك ولا تقول أهلكتك.
وإنما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلم وغيره. فإذا كان الفعل واقعا من مكني على مكني سواه لم تدخل النفس. تقول غلامك أهلك مالك ثم تكني عن الغلام والمال فتقول: هو أهلكه، ولا تقول: هو أهلك نفسه وأنت تريد المال، وقد تقوله العرب في ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون: أظنني قائما، ووجدتني صالحا لنقصانهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطر الشاعر فقال: عدمتني وفقدتني فهو جائز، وإن كان قليلا قال الشاعر- وهو جران العود-:
لقد كان بي عن ضرتين عدمتني وعما ألاقي منهما متزحزح هي الغول والسعلاة حلقي منهما
مخدش ما فوق التراقي مكدح