الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              مسألة: لا يستحب الترجيع في الأذان.  وقال مالك ، والشافعي: يستحب.

                                                              358 - أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا يعقوب ، قال: أنبأنا أبي قال: حدثنا ابن إسحاق ، قال: وذكر محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، قال: "لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة ، وهو كاره لموافقة النصارى ، طاف بي من الليل طائف وأنا نائم ، رجل عليه ثوبان أخضران ، وفي يده ناقوس يحمله ، فقلت له: يا عبد الله ، ألا تبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلا الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قلت: بلى. قال: تقول الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد ، ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما [ ص: 300 ] رأيت .فقال: "إن هذه لرؤيا حق إن شاء الله" ثم أمر بالتأذين فكان بلال يؤذن بذلك ، ويدعو رسول الله إلى الصلاة. فدعاه ذات غداة إلى الفجر ، فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- نائم ، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" - قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر.

                                                              وهذا الحديث أصل التأذين ، وليس فيه ترجيع ، فدل على أنه المستحب ، وعليه عمل أهل المدينة ، والأخذ بالمتأخر من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                              359 - وقد أخبرنا ابن يوسف ، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد ، قال: أنبأنا ابن بشران ، حدثنا علي بن عمر ، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا سعيد بن المغيرة ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: "كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مرتين مرتين ، والإقامة مرة مرة". وهذا دليل على أنه لم يكن فيه ترجيع احتجوا بما:

                                                              360 - أخبرنا به ابن الحصين ، قال: أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا روح ، قال: حدثنا ابن جريج ، قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ، أن عبد الله بن محيريز أخبره -وكان يتيما في حجر أبي محذورة ، ، قال: قلت لأبي محذورة: أخبرني عن تأذينك؟ قال: "نعم ، خرجت في نفر ، فكنت في بعض طريق حنين ، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بالصلاة ، فسمعنا صوت المؤذن ، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به. قال: فسمع النبي صلى الله عليه وسلم- الصوت ، فأرسل إلينا أن وقفنا بين يديه ، [ ص: 301 ] فقال: "أيكم الذي سمعت صوته وارتفع؟" فأشار القوم كلهم إلي ، وصدقوا. فأرسلهم كلهم وحبسني ، قال: "قم ، فأذن بالصلاة" فقمت ، ولا شيء أكره إلي من النبي صلى الله عليه وسلم- وما يأمرني به. فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ، الله أكبر الله أكبر -كذا قال روح ، مرتين -أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال لي "ارجع فامدد من صوتك" ثم قال لي: قل: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة. حي على الفلاح ، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله". ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمرها على وجهه ، يمر بين ثدييه ، ثم على كبده ، وقال: "بارك الله فيك ، وبارك عليك". فقلت: يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة ، فقال: "قد أمرتك به" وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم- من كراهية وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم".

                                                              361 - وقال أحمد: ، حدثنا عفان ، قال: حدثنا همام ، قال: حدثنا عامر الأحول ، قال: حدثني مكحول أن عبد الله بن محيريز حدثه ، أن أبا محذورة حدثه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة. الأذان: الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة ، حي على الصلاة. حي على الفلاح ، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله. والإقامة مثنى مثنى: الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح. قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة. الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله". قال الترمذي: هذا حديث صحيح ، وأبو محذورة اسمه سمرة بن معبر. وقد روى [ ص: 302 ] الدارقطني من حديث سعد القرظ أنه وصف أذان بلال  وفيه الترجيع. والجواب من وجهين:

                                                              أحدهما: أنه لما لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبا محذورة وكان كافرا ، أعاد عليه الشهادة وكررها لتثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين ، فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها. فلما كررها عليه ظنها من الأذان ، فعد الأذان تسع عشرة كلمة ، فإذا كان كذلك لم يكن تكرارها سنة.

                                                              والثاني: أن أذان أبي محذورة عليه أهل مكة ، وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة ، والعمل على المتأخر من الأمور.

                                                              وأما ما ادعي على بلال فمحال ، لأنه لا يختلف في أن بلالا كان لا يرجع ، وإنما الحديث الذي ذكره الدارقطني من رواية عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد القرظ ، قال يحيى بن معين: ليس بشيء.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية