الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه بعث رجلا إلى الجن، فقال له: سر ثلاثا ملسا، حتى إذا لم تر شمسا، فاعلف بعيرا أو أشبع نفسا، حتى تأتي فتيات قعسا، ورجالا طلسا، ونساء خلسا، فقال: يا نبي الله، اشفع شوسا" .

قال أحمد بن إبراهيم بن مالك، أخبرني ابن ملحان، نا يحيى بن بكير، حدثني الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن هلال بن أسامة: أن عطاء بن يسار، أخبره أن رجلا من جهينة من أصحاب رسول الله أخبره بذلك، وأراني قد سمعته من ابن مالك، وأثبته لي عنه بعض أصحابنا.

قوله: "ملسا" يريد سيرا سريعا.  يقال: ملس الرجل في سيره يملس [ ص: 474 ] ملسا. قال الشاعر:


يا صاحبي ارتحلا ثم املسا لا تحبسن لدى الحصين محبسا



وقال ابن الأعرابي: الملس ضرب من السير الرفيق. وقال بعضهم: ملست بالإبل إذا سقتها سوقا في خفية.

وقوله: فاعلف بعيرا أو أشبع نفسا لم يرد أحد الأمرين دون الآخر؛ لأن الحاجة إليهما واحدة، وإنما هو اعلف بعيرا وأشبع نفسا.  والألف مقحمة كقوله: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون والمعنى: ويزيدون. قال النابغة:


قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا     إلى حمامتنا أو نصفه فقد



يريد: ونصفه.

والقعس: نتوء الصدر خلقة. والحدب: نتوء الظهر. قال الشاعر:


فاقعس إذا حدبوا واحدب إذا قعسوا     ووازن الشر مثقالا بمثقال



وقال آخر:


تقول وصكت صدرها بيمينها     أبعلي هذا بالرحا المتقاعس



[ ص: 475 ] المتقاعس: الذي خرج صدره ودخل ظهره. ويقال: عزة قعساء أي: لا تضع ظهرها إلى الأرض. وقوله: رجالا طلسا فإن الطلسة لون كالغبرة. ومنه قيل للذئب أطلس. وقوله: "ونساء خلسا" يريد سمرا.  

والخلاس: الولد بين أبيض وسوداء، ومن ذلك قيل: رجل خلاسي، وديك خلاسي، وهو أن يخرج بين جنسين مختلفين. ويقال: شعره مخلس وخليس، وقد أخلست لحيته إذا شمطت، قال الشاعر:


لما رأين لمتي خليسا     رأين سودا ورأين عيسا



والشوس: الطوال، والواحد أشوس، قال طرفة:


نعمان لو خفت الذي قد حل بي     لحللت حصنا ذا بناء أشوس



يريد بناء صعبا مرتفعا.

التالي السابق


الخدمات العلمية