الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث النبي صلى الله عليه في قصة العرنيين: أنهم لما استاقوا الإبل بعث رسول الله في طلبهم قافة، فأتي بهم فأمر، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم. قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى ماتوا عطشا.  

أخبرناه ابن داسة، نا أبو داود، نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا ثابت وقتادة وحميد، عن أنس.

القافة: جمع قائف، وهو الذي يقوف الآثار ويتتبعها. قال الأصمعي: يقال فلان يقوف الأثر ويقتافه ويقتفره. قال: والتأبين مثله، قال أوس بن حجر.

[ ص: 701 ]

يقول له الراؤون هذاك راكب يؤبن شخصا فوق علياء واقف

وقوله: يكدم الأرض أي يقبض عليها بأسنانه، يقال كدم وكزم وأزم وعزم بمعنى عض. والعرب تقول: ما بقي من مرعانا إلا كدامة، أي بقية تكدمها المال بأسنانها، ولا يشبع منها.

وقد تكلم العلماء في هذا، وفي أمر النبي صلى الله عليه بسمل أعينهم. قال ابن سيرين: إنما فعل ذلك قبل نزول الأحكام في الحدود، وقبل تحريم المثلة. وقال أبو الزناد: لما فعل النبي عليه السلام ذلك عاتبه الله فأنزل: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية.

وقد روينا عن أنس بن مالك أنه قال: إنما فعل النبي عليه السلام ذلك بهم؛ لأنهم قد كانوا سملوا أعين الرعاة وقتلوهم.

حدثنيه الحسن بن يحيى بن صالح، نا ابن المنذر بإسناد لا يحضرني ذكره، يريد أنه جازاهم على صنيعهم امتثالا لقوله عز وجل: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .

وأخبرني محمد بن يحيى الشيباني، نا الصائغ، نا إبراهيم بن المنذر الحزامي، نا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: أن العرنيين لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه كانوا مجهودين مضرورين قد كادوا يهلكون، فأنزلهم [ ص: 702 ] عنده، وسألوه أن ينحيهم من المدينة، فأخرجهم إلى لقاح بفيفاء الخبار من وراء الحمى فيها مولى لرسول الله من أهل اليمن، اسمه يسار، فقتلوه ثم مثلوا به، واستاقوا اللقاح. وذكر الحديث بطوله.

التالي السابق


الخدمات العلمية