الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : وليتكم ولست بخيركم .

قال أبو سليمان مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية والتباعد من كبرياء السلطنة ولم يزل من شيم الإبرار ومذاهب الصالحين والأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا من حقوقهم .

وقد كان له برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حين يقول : "ليس لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى" وهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم أحمرهم وأسودهم .  

وأخبرناه ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن عبدة قال : سمعت سفيان يقول : بلغنا عن الحسن أنه ذكر قول أبي بكر هذا ثم قال : "بلى والله إنه لخيرهم ولكن المؤمن يهضم نفسه " . ومما يشبه ذلك من كلامه قوله حين خطب .

أخبرناه محمد بن هاشم حدثنا الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن أن أبا بكر رضي الله عنه خطب فقال : إن رسول الله كان يعصم بالوحي وكان معه ملك وإن لي شيطانا يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني [ ص: 36 ] وقد يعيبه بهذا وبما يشبهه من كلامه قوم لا روية لهم وهو بحمد الله سليم من العيب إذا لم يكن أحد بعد رسول الله معصوما وكيف وهو يقول : ما منكم من أحد إلا زله شيطان قالوا ولك يا رسول الله قال : "ولي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم " .

وكان أبو بكر رضي الله عنه يوصف ببعض الحدة وذكره ابن عباس فقال : كان والله بريا تقيا من رجل كان يصادى منه غرب أي حدة .

وقوله يصادى  قال الأصمعي : معناه يمارس وأنشدني أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس عن أبي نصر عن الأصمعي لجابر بن مؤتلق يعاتب أخاه :


أبيت أكف نفسي عنك كفا وتغشيني أذاك على وسادي     فلن تلقى أخا إن مت مثلي
يصادي الحرب عنك كما أصادي

قال وقال الأصمعي : يقول : الرجل لناقته إذا مخضت بت أصاديها وذاك أنه يكره أن يعقلها فيعنتها أو يدعها فتفرق فيأكلها الذئب فيبيت يصاديها والرجل يصادي ولده وأخاه أن يقع في حرب أو خصومة أو أمر يكرهه فيمارسه ويداريه فيترضاه قال أبو عمر وأنشدني أبو العباس عن ابن الأعرابي لمزرد :


ظللنا نصادي أمنا عن حميتها     كأهل الشموس كلهم يتودد

قال : يريد نداريها ونترضاها ونناشدها ونديرها عنه [ ص: 37 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية