قال قوله جعلت أنفك في قفاك يتأول على وجهين أحدهما أن يريد بذلك إعراضه عن الحق وإقباله على الباطل لأن من أعرض بوجهه فقد أقبل بأنفه إلى قفاه ولذلك قيل للمنهزم عيناه في قفاه وذلك أنه يكثر الالتفات إلى ما وراءه خوفا من الطلب قال الشاعر : أبو سليمان
ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه
والوجه الآخر أنه أراد به أنك تقبل بوجهك على من وراءك من أشياعك فتؤثرهم ببرك وتخصهم به ويدل على صحة هذا المعنى قوله ولما أخذت من أهلك حقا .وأخبرنا إبراهيم بن فراس حدثنا ابن سالم حدثنا حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قالت دخل رجل من أسماء بنت عميس المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي من مرضه فقال له : أتستخلف علينا وقد عتا علينا ولا سلطان له فلو ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال عمر أبو بكر: أجلسوني فأجلسوه فقال : أبالله تفرقني فإني أقول له إذا لقيته [ ص: 38 ] استعملت عليهم خير أهلك يريد خير المهاجرين وكانوا يسمون أهل مكة أهل الله تعظيما لهم كما يقال : بيت الله وكما جاء إن لله أهلين وهم حملة القرآن .
وشبيه بالقصة الأولى خبر قال : دخلت على عبد الرحمن بن عوف أبي بكر في علته التي مات فيها فقلت أراك بارئا يا خليفة رسول الله فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين الأولين أشد علي من وجعي إني وليت أموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر دونه والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حد له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادي الطريق جرت إنما هو الفجر أو البجر .
قال : أبو سليمان أي امتلأ من ذلك غيظا قال الشاعر : قوله فكلكم ورم أنفه
ولا يهاج إذا ما أنفه ورما
.أي لا يكلم عند الغضب ونضائد الديباج يعني به الوسائد والفرش ونحوها وذلك لأنها تنضد ويجعل بعضها فوق بعض واحدتها نضيدة ويقال لمتاع البيت المرفوع بعضه فوق بعض : النضد قال [ ص: 39 ] النابغة
خلت سبيل أتي كان يحبسه ورفعته إلى السجفين فالنضد
ذكرتها وهنا وقد حال دونها قرى أذربيجان المسالح والجال