الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث أبي بكر رضي الله عنه الذي يرويه معيقيب بن أبي فاطمة في استخلاف عمر  رضي الله عنه أن فلانا دخل عليه فنال من عمر وقال : لو استخلفت فلانا فقال أبو بكر: لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك ولما أخذت من أهلك حقا في كلام طويل يقرعه به .

قال أبو سليمان قوله جعلت أنفك في قفاك يتأول على وجهين أحدهما أن يريد بذلك إعراضه عن الحق وإقباله على الباطل لأن من أعرض بوجهه فقد أقبل بأنفه إلى قفاه ولذلك قيل للمنهزم عيناه في قفاه وذلك أنه يكثر الالتفات إلى ما وراءه خوفا من الطلب قال الشاعر :


ألفيتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا واقيه

والوجه الآخر أنه أراد به أنك تقبل بوجهك على من وراءك من أشياعك فتؤثرهم ببرك وتخصهم به ويدل على صحة هذا المعنى قوله ولما أخذت من أهلك حقا .

وأخبرنا إبراهيم بن فراس حدثنا ابن سالم حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي من مرضه فقال له : أتستخلف علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له فلو ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال أبو بكر: أجلسوني فأجلسوه فقال : أبالله تفرقني فإني أقول له إذا لقيته [ ص: 38 ] استعملت عليهم خير أهلك يريد خير المهاجرين وكانوا يسمون أهل مكة أهل الله تعظيما لهم كما يقال : بيت الله وكما جاء إن لله أهلين وهم حملة القرآن .

وشبيه بالقصة الأولى خبر عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت على أبي بكر في علته التي مات فيها فقلت أراك بارئا يا خليفة رسول الله فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين الأولين أشد علي من وجعي إني وليت أموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر دونه والله لتتخذن نضائد الديباج وستور الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حد له من أن يخوض غمرات الدنيا يا هادي الطريق جرت إنما هو الفجر أو البجر .

قال أبو سليمان : قوله فكلكم ورم أنفه  أي امتلأ من ذلك غيظا قال الشاعر :


ولا يهاج إذا ما أنفه ورما

.

أي لا يكلم عند الغضب ونضائد الديباج يعني به الوسائد والفرش ونحوها وذلك لأنها تنضد ويجعل بعضها فوق بعض واحدتها نضيدة ويقال لمتاع البيت المرفوع بعضه فوق بعض : النضد قال النابغة [ ص: 39 ]

خلت سبيل أتي كان يحبسه     ورفعته إلى السجفين فالنضد

والصوف الأذربي منسوب إلى أذربيجان وكذلك تقول العرب تسكن الذال منها قال الشاعر :


ذكرتها وهنا وقد حال دونها     قرى أذربيجان المسالح والجال

وقوله هو الفجر أو البجر مثل والبجر الداهية والأمر العظيم يقال : جئت يا هذا ببجر أي بأمر منكر يقول : إن انتظرت حتى يضيء لك الفجر أبصرت الطريق وإن خبطت الظلماء أفضت بك إلى المكروه ويقال : بجر وبجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية