الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث عمر أنه خرج إلى ناحية السوق فتعلقت امرأة بثيابه وقالت يا أمير المؤمنين فقال : ما شأنك قالت إني مؤتمة توفي زوجي وتركهم ما لهم من زرع ولا ضرع وما يستنضج أكبرهم الكراع وأخاف أن تأكلهم الضبع وأنا ابنة خفاف بن إيماء الغفاري فانصرف معها فعمد إلى بعير ظهير فأمر به فرحل ودعا بغرارتين فملأهما طعاما وودكا ووضع فيها صرة نفقة ثم قال لها : قودي .

حدثنيه محمد بن الطيب المروزي أخبرنا أبو العلاء الوكيعي أخبرنا أحمد بن صالح المصري أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا مالك أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه وذكر القصة قال فقال رجل : أكثرت لها يا أمير المؤمنين فقال عمر : ثكلتك أمك إني أرى أبا هذه ما كان يحاصر الحصن من الحصون حتى افتتحه فأصبحنا نستفيء سهمانه من ذلك الحصن .

قولها إني مؤتمة  أي ذات صبية أيتام وقولها ما يستنضج أكبرهم الكراع تريد أنهم صغار لا يكفون أنفسهم وهو مثل يضرب للعاجز الذي لا غناء عنده قال النابغة الجعدي يهجو قوما [ ص: 80 ] :


بالأرض أستاههم عجزا وآنفهم عند الكواكب بغيا يا لذا عجبا     ولو أصابوا كراعا لا طعام بها
لم ينضجوها ولو أعطوا لها حطبا

وقولهم أخاف أن تأكلهم الضبع فيه قولان أحدهما أن يراد بالضبع السنة والجدب .

.

أخبرني أبو عمر أنبأنا ثعلب قال يقال : أصابتهم الضبع وأصابتهم كحل إذا إصابتهم السنة .

والقول الآخر أنهم يموتون جوعا فتنبشهم الضبع فتأكلهم والضباع تعرض للموتى وتثير الأرض عنهم وإلى هذا المعنى ذهب ابن الأعرابي في تأويل الخبر الذي يروى أن أناسا أتوا رسول الله فقالوا : قد أكلتنا الضبع وإلى القول الأول مال أبو عبيد .

والبعير الظهير هو الشديد الظهر القوي على الرحلة .

وقوله نستفيء سهمانه أي نسترجعها غنما وأصله من الفيء وهو رجوع الشيء من حال إلى حال .

ويقال : إنما سمي مال المشركين فيئا لأنه مال كان للمسلمين خارجا عن أيديهم فرجع إليهم .

ومن هذا حديث الأنصارية .

أخبرناه ابن داسة أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد أخبرنا بشر بن المفضل أخبرنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله : أن امرأة من الأنصار جاءت بابنتين لها فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا ثابت بن قيس قتل معك [ ص: 81 ] يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما كله فنزلت آية الميراث تريد أنه قد استرجع مورثهما من أبيهما واستخلصه لنفسه .

.

وأخبرني محمد بن علي أخبرنا ابن دريد أنبأنا أبو حاتم أنبأنا الأصمعي حدثني خلف قال : أقبل أعرابي إلى قوم من أهل البصرة على غدير النحيت يشربون شرابا لهم ومغن لهم يتغنى فجعل يكسر عينيه ويمط خديه ويثني أصابعه فلما سكت قال للأعرابي : كيف رأيت ؟ فقال :


أراك صحيحا قبل شدوك سالما     فلما تغنيت استفاء لك الخبل
فإن كان ترجيع الغناء مورثا     جنونا فأخزى الله ذلك من عمل

قوله استفاء لك الخبل معناه  استجلبه عليك واستدعاه إليك .

.

وأخبرني محمد بن سعدويه عن بعض شيوخه قال : استفتى أعرابي سفيان بن عيينة في مسألة فلما أفتاه عنها قال له الأعرابي : أقدوة ؟ فقال : نعم عن رسول الله . فقال : استسمنت القدوة فاء الله لك بالرشد .

التالي السابق


الخدمات العلمية