الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وقال أبو سليمان في حديث معاذ أن عائذ الله بن عمرو قال: دخلت المسجد يوما مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه أخمر ما كانوا أو أجمر ما كانوا  ثم ذكر حديثا حدثهم به معاذ [ ص: 313 ] من حديث يزيد بن هارون عن عبد الحميد عن شهر بن حوشب قال سمعت ابن غنم يحدث به عائذ الله بن عمرو.

قوله: أخمر وأجمر كلاهما متقاربان والمعنى أوفر ما كانوا وأكثرهم عددا إلا أن أخمر بالخاء أحسنهما وهو مأخوذ من قول الرجل دخلت في خمار الناس أي في دهمائهم وجماعتهم.

قال الكسائي يقال دخلت في خمار الناس وخمار الناس وخمر الناس أي جماعتهم وكثرتهم والخمر كل ما واراك وسترك من شجرة وغيره ولهذا المعنى سميت الخمر؛ وذلك لأنها تخمر في إنائها أي تغطى ويقال إنما سميت خمرا لأنها تخمر عقل شاربها أي تستره وتغطيه.

وأما أجمر بالجيم فهو من قول العرب: جمر القوم وتجمروا إذا تجمعوا.

قال الأصمعي: تجمر بنو فلان أي اجتمع بعضهم إلى بعض وأنشد:


إذا الجمار أقبلت تجمر

.

ويقال: صار بنو فلان جمرة.

وجمرات العرب: أحياء لهم عدد وبأس. قال المبرد: لقبوا بالجمرات لأنهم تجمعوا في أنفسهم ولم يدخلوا معهم غيرهم.

قال: وإنما سمي موضع الحصى بمنى الجمار لاجتماع الحصى فيه وواحدة الجمار جمرة. قال: ومن ثم قيل في المغازي لا تجمروهم فتفتنوهم أي لا تجمعوهم في المغازي [ ص: 314 ] وقال بعض أهل اللغة: إنما قيل تجمر القوم بمعنى صاروا جمرة لأنهم صاروا في بأسهم كالجمر على أعدائهم وأنشد للنميري:


نمير جمرة العرب التي لم     تزل في الحرب تلتهب التهابا

وقال غيره: معنى تجمروا اجتمعوا وتضافروا فصاروا كالجمير من الشعر المضفور.

يقال: جمرت المرأة شعرها إذا ضفرته والجمار: الجماعة قال الأعشى:


فمن مبلغ قومنا مألكا     وأعني بذلك بكرا جمارا

ويقال عد فلان إبله جمارا أي جملة واحدة.

.

وأخبرني أبو عمر أنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي قال يقال رأيت قوما جمارا وجماعة جمارا أي كثيرين وأنشدنا:


ألم تر أنني لاقيت يوما     معاشر فيهم رجل جمارا
فقير الليل تلقاه غنيا     إذا ما آنس الليل النهارا

معناه: لقيت معاشر جمارا فيهم رجل فقير الليل.

قال: ويقال: فلان فقير الليل إذا كانت إبله بيضا وغني الليل إذا كانت إبله سودا وقد سمعت هذا من غيره على العكس [ ص: 315 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية