الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
101 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولا ينفع ذا الجد منك الجد".  

قال حدثنيه هشيم، قال: أخبرناه مغيرة، ومجالد، عن الشعبي، عن وراد كاتب "المغيرة بن شعبة" قال: كتب "معاوية" إلى "المغيرة" أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فكتب إليه "المغيرة": أني سمعته يقول إذا انصرف من الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".
 


قال "هشيم": وأخبرنا "عبد الملك بن عمير"، قال: سمعت "ورادا" كاتب المغيرة [بن شعبة] . يحدث بهذا الحديث، عن المغيرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 324 ] .

[قال أبو عبيد] : قوله: الجد - بفتح الجيم - لا غير، وهو الغنى والحظ في الرزق.

ومنه قيل: لفلان في هذا الأمر جد: إذا كان مرزوقا منه.

فتأويل قوله: لا ينفع ذا الجد منك الجد: أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك.

وهذا كقوله - تبارك وتعالى - : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم

وكقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا ومثله كثير.

وكذلك حديثه الآخر.

قال: حدثنيه ابن .. ان التيمي. عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها من الفقراء، وإذا أصحاب الجد محبوسون".  

.... في الدنيا والغنى [ ص: 325 ] .

وقد روي عن "الحسن" و"عكرمة" في قوله - تبارك وتعالى - : وأنه تعالى جد ربنا

قال أحدهما: غناه. وقال الآخر: عظمته.

قال: وحدثني محمد بن عمر الواقدي، عن ابن جريج، عن، عطاء، عن ابن عباس، قال: "لو علمت الجن أن في الإنس جدا، ما قالت: تعالى جد ربنا .

[قال أبو عبيد] : يذهب "ابن عباس" إلى أن الجد إنما هو الغنى، ولم يكن يرى أن أبا الأب جد، إنما هو عنده أب.

ويقال منه للرجل إذا كان له جد في الشيء: رجل مجدود، ورجل محظوظ، من الحظ، قالهما "أبو عمرو".

وقد زعم بعض الناس [أنه] إنما هو: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد"   - بكسر الجيم - [ ص: 326 ] .

والجد إنما هو الاجتهاد في العمل.

وهذا التأويل خلاف ما دعا الله [ - عز وجل - ] إليه المؤمنين، ووصفهم به؛ لأنه قال في كتابه: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا فقد أمرهم بالجد والعمل الصالح.

وقال: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقال [ - سبحانه - ] : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى آخر الآيات.

وقال [ - سبحانه - ] : جزاء بما كانوا يعملون في آيات كثيرة.

فكيف يحثهم على العمل، وينعتهم به، ويحمدهم عليه، ثم يقول: إنه لا ينفعهم [ ص: 327 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية