الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
159 - وقال: أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا تفوت على أبيه في ماله، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - : - أو "أبا بكر "، أو "عمر" فذكر ذلك له، فقال:

"اردد على ابنك فإنما هو سهم من كنانتك"
[ ص: 31 ] .

قال: حدثناه غير واحد عن "هشام بن عروة" عن "أبيه ".

قوله: تفوت مأخوذ من الفوت، إنما هو تفعل منه، كقولك من القول: تقول، ومن الحول: تحول، ومعناه: أن الابن فات أباه بمال نفسه، فوهبه، وبذره،  فمن ذلك قال: "اردده على ابنك، فإنما هو سهم من كنانتك، يقول: ارتجعه من موضعه، فرده إلى ابنك، فإنه ليس له أن يفتات عليك بماله" [ ص: 32 ] .

ومنه حديث "عبد الرحمن بن أبي بكر" حين زوجت "عائشة" ابنته من "المنذر بن الزبير: وهو غائب "، فأنكر ذلك، وقال:

"أمثلي يفتات عليه في بناته؟ ".

أي أفات بهن، وهو غير مهموز [ ص: 33 ] .

وكذلك كل من أحدث دونك شيئا، فقد فاتك به، قال "معن ابن أوس" يعاتب امرأته:


فإن الصبح منتظر قريب وإنك بالملامة لن تفاتي

وفي هذا الحديث من الفقه أن الولد وماله من كسب الوالد.  

ومما يصدقه الحديث الآخر، قال: حدثناه "أبو معاوية" عن "الأعمش" عن "إبراهيم" عن "الأسود" عن "عائشة" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه"   [ ص: 34 ] .

قال: وحدثنا " [يحيى بن زكريا] بن أبي زائدة" عن - "الأعمش" عن "عمارة بن عمير" عن "عمته" عن "عائشة" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك.

وكان "سفيان بن عيينة" يحتج في ذلك بآيات من القرآن، قوله [سبحانه] : "ليس على العمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم" حتى ذكر القرابات كلها إلا الولد، فقال [ ص: 35 ] :

"ألا تراه إنما ترك ذكر الولد؛ لأنه لما قال: أن تأكلوا من بيوتكم" فقد دخل فيه مال الولد.

وقال "سفيان ": ومنه قوله [عز وجل] : إني نذرت لك ما في بطني محررا [قال] : فهل يكون النذر إلا فيما يملك العبد؟

قال "أبو عبيد ": فهذا التأويل حجة لمن قال: "مال الولد لأبيه"  مع الحديث الذي ذكرناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وأما حجة من قال: "كل أحد أحق بماله" فإنه يحتج بالفرائض، يقول: ألا ترى أن رجلا لو مات، وله أب، وورثة، لم يكن لأبيه [ ص: 36 ] إلا السدس، كما سمى الله [ - عز وجل - ] ، ويكون سائر المال لورثته، فلو كان أبوه يملك مال ابنه لحازه كله، ولم يكن لورثة الابن شيء من ولد ولا غيره.

ومع هذا حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "كل أحد أحق بماله من والده وولده، والناس أجمعين ".

قال: حدثناه "هشيم "، قال: أخبرنا "عبد الرحمن بن يحيى "، عن "حبان بن أبي جبلة "، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك [ ص: 37 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية