قال: حدثناه محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي واقد الليثي، أن رجلا قال: يا رسول الله! : إنا نكون في الأرض، فتصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا، فشأنكم بها".
قال الأصمعي: لا أعرف تحتفئوا، ولكني أراها تختفوا بها بقلا: أي تقتلعونه من الأرض.
ويقال: اختفيت الشيء: [أي] أخرجته.
قال أبو عبيد: ومنه سمي النباش المختفى؛ لأنه يستخرج الأكفان
وكذلك: خفيت الشيء: أي أخرجته، قال امرؤ القيس [بن حجر] يصف حضر الفرس، وأنه استخرج الفأر من حجرتهن، كما يستخرجهن المطر:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من سحاب مركب
[ ص: 189 ] قال أبو عبيد: وقد كان الكسائي يحدث عن محمد بن سهل الأسدي، عن وقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" [ - بفتح الألف - ] : أي أظهرها.قال أبو عبيد: وسألت عنها أبا عمرو، فلم يعرف [فيها بالحاء] تحتفئوا، وسألت أبا عبيدة، فلم يعرفها.
قال أبو عبيد: ثم بلغني عن أبي عبيدة أنه قال: هو من الحفا، والحفأ مقصور مهموز، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، فتأوله أبو عبيدة في قوله "تختفئوا" يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه، فتأكلوه.
قال [أبو عبيد] : وأخبرني الهيثم بن عدي أنه سأل عنها أعرابيا، فقال: فلعلها: تجتفئوا - بالجيم - .
قال أبو عبيد: يعني أن يقتلع الشيء، ثم يرمى به [ ص: 190 ] .
يقال: جفأت الرجل: إذا صرعته، وضربت به الأرض - مهموز.
قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه: ما لم تحتفوا بها، يشدد الفاء، فإن كان هذا محفوظا، فهو من احتففت الشيء كما تحف المرأة وجهها من الشعر.
[قال] : وأما قوله: ما لم تصطبحوا أو تعتبقوا: فإنه يقول: إنما لكم منها الصبوح وهو الغداء، أو الغبوق، وهو العشاء، يقول فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة.
ومن ذلك حديث سمرة بن جندب.
قال [أبو عبيد] : حدثنا معاذ [بن معاذ] ، عن ابن عون قال: رأيت عند الحسن كتاب سمرة لبنيه: إنه يجزئ من الاضطرار أو الضارورة صبوح أو غبوق.


