الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
457 - وقال "أبو عبيد" في حديث "النبي" - صلى الله عليه وسلم - : في المستحاضة  أنه قال لها: "احتشي كرسفا.

قالت: إنه أكثر من ذلك إني أثجه ثجا.

قال: تلجمي، وتحيضي - في علم الله - ستا أو سبعا، ثم اغتسلي وصلي".


قال: حدثنيه "يزيد بن هارون" عن "شريك" عن "عبد الله بن محمد بن عقيل" عن "إبراهيم بن محمد بن طلحة" عن عمه [ ص: 251 ] "عمران بن طلحة" عن "أمه حمنة بنت جحش" أنها استحيضت، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابها بذلك.

أما قوله: "احتشي كرسفا" فإن الكرسف، القطن.

وقولها: "أثجه ثجا"  هو من الماء الثجاج، وهو السائل.

ومنه الحديث المرفوع أنه سئل عن [بر] الحج، فقال: "هو العج والثج".  

فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: سيلان دماء الهدي.

وقوله: "تلجمي" يقول: شدي لجاما وهو شبيه بقوله: "استثفري" والاستثفار مأخوذ من شيئين: يكون من ثفر الدابة أنه شبه هذا اللجام بالثفر لأنه يكون تحت ذنب الدابة.

ويكون من الثفر، والثفر ويكون أصله للسباع، كما يقال للناقة حياؤها، وإنما هذه كلمة استعيرت كما استعارها "الأخطل" في قوله [ ص: 252 ] :


جزى الله فيها الأعورين ملامة وفروة ثفر الثورة المتضاجم

فقال: ثفر للبقرة، وإنما هي للسباع.

فكذلك نرى: "استثفري" أخذه من هذا إنما هو كناية عن الفرج.

وقوله: "تحيضي" يقول: اقعدي أيام حيضك، ودعي فيها الصلاة والصيام، فهذا التحيض، ثم اغتسلي وصلي.

وقال في حديث آخر: "دعي الصلاة أيام أقرائك".

فهذا قد فسر التحيض.

وقوله: أيام أقرائك يبين لك أن الأقراء إنما هي الحيض،  وهذا [ ص: 253 ] مما اختلف فيه "أهل العراق" و"أهل الحجاز".

فقال "أهل العراق" إن قول الله [تعالى] : يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء إنما هي الحيض.

وقال أهل الحجاز [إنما] هي الأطهار.

فمن قال: إنها الحيض فهذا الحديث حجة له: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"دعي الصلاة أيام أقرائك".

ومن زعم أنها الأطهار، فله حجة أيضا، يقال: قد أقرأت المرأة: إذا دنا حيضها، وأقرأت إذا دنا طهرها.

زعم ذلك "أبو عبيدة" و"الأصمعي" و" غيرهما" وقد ذكر ذلك "الأعشى" في شعر مدح به رجلا غزا غزوة غنم فيها وظفر: فقال :


مورثة عزا، وفي الحي رفعة     لما ضاع فيها من مروء نسائكا [ ص: 254 ]

قال "أبو عبيد": فمعنى القروء ها هنا الأطهار: لأنه ضيع أطهارهن في غزاته.

وآثرها عليهن، وشغل بها عنهن.

ومثله قول "الأخطل":


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم     دون النساء ولو باتت بأطهار

التالي السابق


الخدمات العلمية