الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
463 - وقال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "من منح منحة ورق، أو منح لبنا كان له كعدل رقبة أو نسمة"   [ ص: 273 ] قال: حدثنيه "يحيى بن سعيد" عن "شعبة" قال: حدثنا "طلحة بن مصرف" عن "عبد الرحمن بن عوسجة" عن "البراء بن عازب" عن "النبي" - صلى الله عليه وسلم - .

قوله: "من منح منحة ورق، أو منح لبنا".  

فإن المنحة عند العرب على معنيين:

أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه المال هبة أو صلة فيكون له.

وأما المنحة الأخرى فإن للعرب أربعة أسماء تضعها في موضع العارية، فينفع بها المدفوعة إليه، والأصل في ذلك كله لربها ترجع [ ص: 274 ] إليه، وهي المنحة والعرية، والإفقار والإخبال، وكلها في الحديث إلا الإخبال.

فأما المنحة: فالرجل يمنح أخاه ناقته أو شاته فيحتلبها عاما أو أقل من ذلك أو أكثر ثم يردها، وهو تأويل هذا الحديث.

وأما العرية: فالرجل يعري الرجل ثمر نخلة من نخيله فيكون له الثمر عامه ذلك فهذه العرية التي رخص النبي [صلى الله عليه وسلم - ] في بيع ثمرها قبل أن تصرم [بتمر] .

وأما الإفقار: فأن يعطي الرجل الرجل دابته، فيركبها ما أحب في سفر أو حضر، ثم يردها عليه، وهو الذي يروى - فيه الحديث [ ص: 275 ] عن "عبد الله" أنه سئل عن رجل استقرض من رجل دراهم، ثم إن المستقرض أفقر المقرض ظهر دابته،  فقال "عبد الله": "ما أصاب من ظهر دابته فهو ربا" قال حدثناه "هشيم" قال: أخبرنا "يونس" و"خالد" عن "ابن سيرين" عن "عبد الله" بذلك يذهب إلى أنه قرض جر منفعة.

وأما الإخبال: فإن الرجل منهم كان يعطي البعير أو الناقة يركبها، ويجتز وبرها، وينتفع بها، ثم يردها، وإياه عنى "زهير بن أبي سلمى" [فقال] لقوم يمدحهم:


هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا [ ص: 276 ]

يقال منه: أخبلت الرجل أخبله إخبالا.

وكان "أبو عبيدة" يقول:


"هنالك إن يستخولوا المال يخولوا"

.

من الخول.

وفي حديث آخر يروى من حديث "عوف" وغيره يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"من منح منحة وكوفا فله كذا وكذا" [ ص: 277 ] .

فالوكوف: الغزيرة الكثيرة الدر:

ومن هذا قيل: وكف البيت بالمطر، وكذلك وكف العين بالدمع، وفي قوله: منحة وكوفا ما يبين لك أنه لم يرد بالمنحة الشربة يسقيها الرجل صاحبه، إنما أراد بالمنحة الناقة أو الشاة يدفعها إليه; ليحتلبها.

ومن المنحة أيضا أن يمنح الرجل الرجل أرضه يزرعها.

ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه".  

قال "أبو عبيد": وأكثر العرب يجعل المنحة العارية خاصة، ولا يجعل الهبة منحة [ ص: 278 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية