حدثنا أبو عبيد قال : حدثناه أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه رفعه [ ص: 39 ] .
[قال أبو عبيد ] : أما قوله : "من حزرات أنفس الناس " فإن الحزرة خيار المال ، قال الشاعر :
الحزرات حزرات النفس
فيقول : لا تأخذ خيار أموالهم ، خذ الشارف ، وهي : المسنة الهرمة ، والبكر ، وهو : الصغير من ذكور الإبل ، فقال : الشارف والبكر .
وإنما السنة القائمة في الناس ألا يؤخذ في الصدقة إلا ابنة مخاض ، أو ابنة لبون ، أو حقة ، أو جذعة ، ليس فيها سن فوق هذه الأربع ولا دونها . وإنما وجه هذا الحديث عندي - والله أعلم - أنه كان في أول الإسلام قبل أن يؤخذ الناس بالشرائع فلما قوي الإسلام واستحكم ، جرت الصدقة على مجاريها ووجوهها .
وأما عمر [رضي الله عنه ] : "دع الربى والماخض والأكولة " [ ص: 40 ] .
فإن الربى : هي القريبة العهد بالولادة ، ويقال : هي في ربابها ما بينها وبين خمس عشرة ليلة ، وأنشدني الأصمعي لبعض الأعراب :
حنين أم البو في ربابها
وأما الماخض فالتي قد أخذها المخاض لتضع .
والأكولة : هي التي تسمن للأكل ليست بسائمة .
والذي يروى في الحديث : الأكيلة . وإنما الأكيلة : المأكولة ، يقال : هذه أكيلة الأسد والذئب ، وأما هذه فإنها الأكولة [ ص: 41 ] .
وأما قول "عمر " : "احتسب عليهم بالغذاء " فإنها السخال الصغار ، واحدها غذى . قال : وأنشدني الأصمعي ، قال : أنشدني أبو عمرو بن العلاء :
لو أنني كنت من عاد ومن إرم غذى بهم ولقمانا وذا جدن
قال الأصمعي : وأخبرني خلف الأحمر أنه سمع العرب تنشده "غذي بهم" بالتصغير .قال أبو عبيد : وأما الحديث الآخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث مصدقا فأتى بشاة شافع ، فلم يأخذها ، وقال : "ائتني بمعتاط " فإن الشافع التي معها ولدها سميت شافعا ؛ لأن ولدها شفعها ، أو شفعته [ ص: 42 ] هي ، والشفع : الزوج ، والوتر : الفرد .
وأما المعتاط فالتي ضربها الفحل ، فلم تحمل ، يقال منه : هي معتاط وعائط وحائل ، وجمع العائط عوط ، وجمع الحائل حول .
قال أبو عبيد : وسمعت الكسائي يقول : جمع العائط عوط وعوطط ، وجمع الحائل حول وحولل . قال : وبعضهم يجعل حوللا مصدرا ، ولا يجعله جمعا وكذلك عوطط .


