الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
557 – وقال أبو عبيد في حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - الذي قالت فيه عائشة : "توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها : اشرأب النفاق ، وارتدت العرب ، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا كان أبي حظها وغناءها في الإسلام [ ص: 121 ] .

وكانت مع هذا تقول : ومن رأي "عمر " علم أنه خلق غناء للإسلام ،  كان والله أحوذيا نسيج وحده ، قد أعد للأمور أقرانها " .

قال : حدثناه يزيد ، ومعاذ كلاهما ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة .

قال الأصمعي وغيره : قولها : لهاضها : الهيض الكسر بعد جبور العظم ، وهو أشد ما يكون من الكسر ، وكذلك الناس في المرض بعد الاندمال ، قال ذو الرمة :


ووجه كقرن الشمس حر كأنما تهيض بهذا القلب لمحته كسرا

[ ص: 122 ] وقال القطامي :


إذا ما قلت قد جبرت صدوع     تهاض وما لما هيض اجتبار

وقولها : اشرأب النفاق ، يعني : ارتفع وعلا ، وكل رافع رأسه مشرئب .

ومنه الحديث المرفوع : "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت في صورة كبش أملح ، ثم نودي يا أهل الجنة ، ويا أهل النار ؛ فيشرئبون لصوته ، ثم يذبح على الصراط ،  فيقال : خلود لا موت .

وقال ذو الرمة - يذكر امرأة شبهها بظبية - :


ذكرتك أن مرت بنا أم شادن     أمام المطايا تشرئب وتسنح

وقولها في عمر : كان والله أحوزيا رواها بالزاي ، وبعضهم يرويها بالذال - أحوذيا .

قال الأصمعي : الأحوذي : المشمر في الأمور ، القاهر لها ، الذي لا يشذ عليه منها [ ص: 123 ] شيء ، هذا وما أشبهه من الكلام ، قال لبيد يصف حمارا وأتنا :


إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها     وأوردها على عوج طوال

[قال الأصمعي ] : قوله : أحوذ جانبيها ، يعني : ضمها ، فلم يفته منها شيء قال : وأما "الأحوزي " فإنه السائق الحسن السياق ، وفيه مع سياقه بعض النفار . وكان أبو عمرو يقول : الأحوذي : الخفيف ، والأحوزي مثله ، وقال "العجاج " :

يحوزهن وله حوزى

كما يحوز الفئة الكمي

وقولها : "نسيج وحده" يعني : أنه ليس له شبه في رأيه ، وجميع أمره .

قال الراجز :

جاءت به معتجرا ببرده

سفواء تخدى بنسيج وحده [ ص: 124 ] والعرب تنصب "وحده " في الكلام كله لا ترفعه ولا تخفضه إلا في ثلاثة أحرف : "نسيج وحده ، وعيير وحده ، وجحيش وحده" ، فإنهم يخفضونها ثم فسرت العلماء نصبه في قولهم : "وحده " فقال " أهل البصرة : "

إنما نصبوا وحده على مذهب المصدر ، أي : توحد وحده .

وقال أصحابنا : إنما انتصب على مذهب الصفة .

[قال أبو عبيد ] : وقد يدخل فيه الأمران جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية