الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أحاديث الصحابة

بسم الله الرحمن الرحيم

أحاديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه [ ص: 102 ] [ ص: 103 ]

549 - قال أبو عبيد في حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين منعته العرب الزكاة ، فقيل له : اقبل ذاك منهم ، فقال : "لو منعوني عقالا مما أدوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه كما أقاتلهم على الصلاة " .

قال : حدثناه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، قال : حدثنا مجالد عن الشعبي بذلك في حديث طويل [ ص: 104 ] .

قال "أبو عبيد " : ويقال - في غير هذا الحديث - أنه قال : "لو منعوني عناقا لقاتلتهم عليه " .

قال "الكسائي " : العقال صدقة عام ، يقال : قد أخذ منهم عقال هذا العام : إذا أخذت منهم صدقته .

قال الأصمعي : يقال : بعث فلان على عقال بني فلان : إذا بعث على صدقاتهم .

قال "أبو عبيد " : فهذا كلام العرب المعروف عندهم .

وقد جاء في بعض الحديث غير ذلك .

ذكر الواقدي عن إبراهيم بن إسماعيل ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة "أن محمد بن مسلمة كان يعمل على الصدقة في عهد النبي - صلى الله عليه [ ص: 105 ] وسلم - فكان يأمر الرجل إذا أتى بفريضتين أن يأتي بعقاليهما وقرانيهما " . ويروى عن حزام بن هشام ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كان يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواء فإذا جاءت إلى المدينة باعها ، ثم تصدق بتلك العقل والأروية .

قال : والرواء : الحبل الذي يقرن به البعيران . وكان الواقدي يزعم أن هذا رأي مالك بن أنس وابن أبي ذئب .

قال الواقدي : وكذلك الأمر عندنا . فهذا ما جاء في الحديث .

والشواهد في كلام العرب على القول الأول أكثر . قال : وهو عندي أشبه بالمعنى . قال : وأخبرني ابن الكلبي بإسناد له ، قال : استعمل "معاوية " ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات "كلب " فاعتدى عليهم ، [ ص: 106 ] فقال عمرو بن العداء الكلبي [في ذلك ] :


سعى عقالا فلم يترك لنا سيدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

    لأصبح الحي أوبادا ولم يجدوا
عند التفرق في الهيجا جمالين

قال "أبو عبيد " : أوباد ، واحده وبد ، وهو الفقر والبؤس .

وقوله : جمالين : يريد جمالا هنا ، وجمالا هنا .

وهذا الشعر يبين لك أن العقال إنما هو صدقة عام .

وكذلك حديث يروى عن "عمر " - رحمه الله - .

قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أو يعقوب بن عتبة ، عن يزيد بن هرمز ، عن ابن أبي ذباب [أنه ] قال : أخر "عمر " الصدقة عام الرمادة ، فلما أحيا الناس بعثني فقال : أعقل عليهم [ ص: 107 ] عقالين ، فاقسم فيهم عقالا ، وأتني بالآخر " .

قال " أبو عبيد " : فهذا شاهد أيضا أن العقال صدقة عام .

وأما قوله : "عام الرمادة "  فيقال : إنما سمي الرمادة ؛ لأن الزرع والشجر والنخل وكل شيء من النبات احترق ، مما أصابته السنة فشبه سواده بالرماد .

ويقال : بل الرمادة : الهلكة . يقال : قد رمد القوم ، وأرمدوا : إذا هلكوا ، وهذا كلام العرب ، والأول تفسير الفقهاء ، ولكل وجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية