الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
702 - وقال " أبو عبيد " في حديث "علي " - رضي الله عنه - : "إن المرء المسلم ما لم يغش دناءة يخشع لها إذا ذكرت ، وتغرى به [ ص: 361 ] لئام الناس - كالياسر الفالج - ينتظر فوزة من قداحه ، أو داعي الله ، فما عند الله خير للأبرار " .

قال : حدثنيه "أبو بدر " عن "عبد الرحمن بن زبيد اليامي " ، عمن حدثه عن "علي " .

ويروى أيضا عن "عوف " ، عن رجل من أهل الكوفة ، عن "علي " .

قال " أبو عبيدة " و"أبو عمرو " " والأصمعي " وغيرهم - دخل كلام بعضهم في بعض - قوله : الياسر : هو من الميسر ، وهو : القمار  الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه ، حتى نزل القرآن بالنهي عنه ، في قوله [تعالى ] إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه الآية .

وكان أمر الميسر : أنهم كانوا يشترون جزورا ، فينحرونها ، ثم يجزئونها أجزاء ، وقد اختلفوا في عدد الأجزاء ، فقال "أبو عمرو " : على عشرة أجزاء ، وقال " الأصمعي " : على ثمانية وعشرين جزءا ، ولم يعرف " أبو عبيدة " [ ص: 362 ] لها عددا ، ثم يسهمون عليها بعشرة قداح ، لسبعة منها أنصباء ، وهي الفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى ، وثلاثة منها ليست لها أنصباء ، وهي : المنيح ، والسفيح ، والوغد ، ثم يجعلونها على يدي رجل عدل عندهم ، يجيلها لهم باسم رجل رجل ، ثم يقتسمونها على قدر ما تخرج لهم السهام ، فمن خرج سهمه من هذه السبعة التي لها أنصباء أخذ من الأجزاء بحصة ذلك ، فإن خرج له واحد من الثلاثة ، فقد اختلف الناس في هذا الموضع ، فقال بعضهم : من خرجت باسمه لم يأخذ شيئا ، ولم يغرم ، ولكن يعاد الثانية ، ولا يكون له نصيب ، ويكون لغوا ، وقال بعضهم : بل يصير ثمن هذه الجزور كله على أصحاب هؤلاء الثلاثة ، فيكونون مقمورين ، ويأخذ أصحاب السبعة أنصباءهم على ما خرج لهم ، فهؤلاء الياسرون .

قال "أبو عبيد " : ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا ، ولا يدعونه كله ، ورأيت "أبا عبيدة " أقلهم ادعاء لعلمه .

قال " أبو عبيدة " : وقد سألت عنه الأعراب ، فقالوا : لا علم لنا بهذا ؛ لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء ، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون .

قال " أبو عبيد " : فالياسرون : هم الذين يتقامرون على الجزور ، وإنما كان هذا في أهل الشرف منهم ، والثروة والجدة ، وكانوا يفتخرون به ، وقال "الأعشى " يمدح قوما [ ص: 363 ] :


المطعمو الضيف إذا ما شتوا والجاعلو القوت على الياسر

وقال "طرفة " :


فهم أيسار لقمان إذا     أغلت الشتوة أبداء الجزر

وهو كثير في أشعارهم ، فأراد "علي " بقوله : "كالياسر الفالج ينتظر فوزة من قداحه ، أو داعي الله ، فما عند الله خير للأبرار" يقول : هو بين خيرتين : إما صار إلى ما يحب من الدنيا ، فهو بمنزلة "المعلى" وغيره من القداح التي لها حظوظ ، أو بمنزلة التي لا حظوظ لها - يعني الموت - ، فيحرم ذلك في الدنيا ، وما عند الله خير له .

والفالج : القامر ،  يقال : قد فلج عليهم ، وفلجهم ، وقال الراجز في الفالج :


لما رأيت فالجا قد فلجا

ومما يبين لك أنه أراد بالحرمان في الدنيا "المنيح" حديث يروى عن " جابر بن عبد الله " قال : "كنت منيح أصحابي يوم بدر " [ ص: 364 ] .

قال : حدثنيه "محمد بن عبيد " عن "الأعمش " عن "أبي سفيان " عن "جابر " .

[قال ] فكان أصحاب الحديث يحملون هذا على استقاء الماء لهم ، وليس هذا من استقاء الماء في شيء ، إنما أراد أنه لم يأخذ سهما من الغنيمة يومئذ لصغر سنه ، قال "العجاج " يذكر فرسا سبق خيلا :

ساقطها بنفس مريح

عطف المعلى صك بالمنيح

يعني أنه سبقها كما قمر المعلى المنيح ، وقال "الكميت " :


فمهلا يا قضاع فلا تكوني     منيحا في قداح يدي مجيل

يعني في انتسابهم إلى اليمن ، وتركهم النسب الأول [ ص: 365 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية