الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث عبد الله بن مسعود

رضي الله عنه

742 - وقال " أبو عبيد " في حديث " عبد الله بن مسعود" [ - رحمه الله - ] : " جردوا القرآن، ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت تقرأ فيه سورة البقرة"  

قال: حدثنيه " غندر" و " حجاج" ، عن " شعبة" ، عن " سلمة بن كهيل" ، عن " أبي الأحوص" ، عن " عبد الله".

[قال " أبو عبيد ": و] قد اختلف الناس في تفسير قوله: " جردوا القرآن".  

فكان " إبراهيم" يذهب به إلى نقط المصاحف.

قال: حدثناه " هشيم" قال: أخبرنا " مغيرة" ، عن " إبراهيم" أنه كان يكره نقط المصاحف،  ويقول: جردوا القرآن، ولا تخلطوا به غيره [ ص: 56 ] .

[قال " أبو عبيد "] : وإنما نرى [أن] " إبراهيم" كره هذا مخافة أن ينشأ نشء يدركون المصاحف منقوطة، فيرون أن النقط من القرآن ولهذا المعنى كره من كره الفواتح والعواشر.

قال: حدثنا " أبو بكر بن عياش" ، عن " أبي حصين" ، عن " يحيى بن وثاب" ، عن " مسروق" ، عن " عبد الله" أنه كره التعشير في المصحف،  وهذا وجه تأويل قوله: جردوا القرآن [ ص: 57 ] .

وقد روي في حديث آخر عن " عبد الله" أن رجلا قرأ عنده، فقال: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال " عبد الله": جردوا القرآن".

وقد ذهب به كثير من الناس إلى أن يتعلم وحده، وتترك الأحاديث.

قال " أبو عبيد ": وليس هذا عندي بوجه، وكيف يكون " عبد الله" أراد هذا، وهو يحدث عن " النبي" [ - صلى الله عليه وسلم - ] بحديث كثير، ولكنه عندي ما ذهب إليه " إبراهيم" ، وما ذهب إليه " عبد الله" نفسه.

وفيه وجه آخر هو عندي من أبين هذه الوجوه، أنه أراد بقوله: " جردوا القرآن" أنه حثهم على ألا يتعلم شيء من كتب الله تبارك وتعالى غيره، لأن ما خلا القرآن من كتب الله - جل ثناؤه - إنما تؤخذ عن " اليهود" و " النصارى" وليسوا بمأمونين عليها، وذلك بين في حديث [آخر] من [ ص: 58 ] " عبد الله" نفسه.

قال: حدثناه " محمد بن عبيد" ، عن " هارون بن عنترة" ، عن " عبد الرحمن بن الأسود" ، عن " أبيه" قال: أصبت أنا و " علقمة" صحيفة فانطلقنا إلى " عبد الله" ، فقلنا: هذه صحيفة فيها حديث حسن، قال: فجعل " عبد الله" يمحوها بيده، ويقول: نحن نقص عليك أحسن القصص ثم قال: " إن هذه القلوب أوعية، فاشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره".  

وكذلك حديثه الآخر: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فعسى أن يحدثوكم بحق، فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، كيف يهدونكم، وقد أضلوا أنفسهم" ومنه حديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه " عمر" بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب، فغضب، وقال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب"  والحديث في كراهة هذا كثير [ ص: 59 ] .

فأما مذهب من ذهب إلى ترك أحاديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - فهذا باطل، لأن فيه إبطال السنن .

ومما يبين ذلك حديث " عمر" حين وجه الناس إلى العراق، فقال:

" جردوا القرآن، وأقلوا الرواية عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] وأنا شريككم".

قال: حدثناه " أبو بكر" ، عن " أبي حصين" يرفعه إلى " عمر" وذلك أنه كان روى الكراهة في هذا عن " النبي" - عليه السلام - .

ففي قوله: " أقلوا الرواية عن رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] " أنه لم يرد بتجريد القرآن ترك الرواية عن " النبي" - صلى الله عليه وسلم - وقد رخص في القليل منه، فهذا يبين أنه لم يأمر بترك حديث " النبي" - صلى الله عليه وسلم - ولكنه أراد عندنا علم أهل الكتب، للحديث الذي سمع من [ ص: 60 ] " النبي" - عليه السلام - فيه حين قال: " أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ " ومع هذا أنه كان يحدث عن " النبي" [ - صلى الله عليه وسلم - ] بحديث كثير.

التالي السابق


الخدمات العلمية