الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                              صفحة جزء
                              باب: خفي .

                              حدثنا أبو ظفر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر: " أنه ذكر إسلامه، فقال: "ضربت فسقطت كأني خفاء" .

                              حدثنا أبو الوليد، وسليمان بن حرب، عن شعبة، عن سلمة، عن حجر بن عنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: " أنه صلى مع النبي صلى الله عليه، فلما قال: ولا الضالين ، قال آمين يخفي بها صوته   " .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، عن شعبة، عن سلمة، عن حجر: سمعت علقمة، يحدث، عن وائل بن حجر، عن وائل: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه فلما قال: " ولا الضالين : قال: آمين، أخفى بها صوته " .

                              [ ص: 838 ] حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن حجر، عن وائل: "سمعت النبي صلى الله عليه يمد صوته بآمين"   .

                              حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، وحدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أبو بكر، عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: "صليت خلف النبي صلى الله عليه فلما قال آمين رفع بها صوته" .

                              حدثنا إبراهيم بن سعيد، عن محمد بن حجر، حدثنا سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن وائل بن حجر: " أن النبي صلى الله عليه لما قال: آمين، سمعه من خلفه " قوله: "سقطت كأني خفاء"،  قال ابن الأعرابي: الخفاء: الكساء وأنشد لأوس: .

                              [ ص: 839 ]

                              فلما رأى حبسا من الحشك بلها وخر كما خر الخفاء المجدل



                              وقال آخر:


                              عليه زاد وأهدام وأخفية     قد كاد يجترها عن ظهره الحقب



                              والخفاء: ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، قال:

                              جر العروس جانبي خفائها قوله: "يخفي صوته بآمين" روى بعض أصحاب شعبة، عن سلمة: يخفي، وبعض روى: وأخفى والذي عندي أن الذين قالوا: يخفي برفع الياء أرادوا يخفى بنصب الياء، وأن الذين قالوا: أخفى بألف أرادوا خفى بغير ألف، لأن أخفى كما ذكر يخفي: ستر وخفى يخفي: أظهر، وكل لم يصب وجه الكلام، لأن شعبة رواه: أخفى، كما ذكر يزيد ويحيى وغندر، واستجاز أبو الوليد وسليمان أن يقولا: يخفي أو يكون قال: يخفي، فاستجاز الذين قالوا أخفى لأنها .

                              [ ص: 840 ] منها أخفى ويدل على رواية سفيان عن سلمة قوله: يمد صوته بآمين، فلو أخفاها لم يعلم بمدها وقوى ما روى سفيان حديث أبي إسحاق، عن عبد الجبار، عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه رفع صوته بآمين" وأصل ذلك أن سلمة أخبرنا عن الفراء: أخفيت: سترت، وخفيت: أظهرت أخبرنا أبو نصر، عن الأصمعي: الاختفاء: الاستخراج، وأهل الحجاز يسمون النباش المختفي، لأنه يستخرج الميت .

                              حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن مالك، حدثني أبو الرجال، عن عمرة: "أن رسول الله صلى الله عليه لعن المختفي والمختفية"   .

                              حدثنا عثمان، حدثنا عبيد بن سعيد، عن كامل، عن إسحاق بن يحيى، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه "من اختفى ميتا فكأنما قتله"  الاختفاء: اللبس .

                              [ ص: 841 ] حدثنا شريح بن يونس، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عباد بن عبد الله بن الزبير: "أخذت مختفيا فقطعت يده" .

                              حدثني أبو عمر المقرئ، حدثنا أبو ثميلة، عن محمد بن سهل، راوية الكميت، عن ورقاء، عن سعيد بن جبير: قرأ إن الساعة آتية أكاد أخفيها بقوله: أظهرها قال أبو عمرو: خفي البرق يخفى خفيا إذا برق ضعيفا وقال الكسائي: خفا يخفو خفوا أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: يقال: خفا البرق يخفي: إذا ظهر وقال ساعدة:


                              حيران يركب أعلاه أسافله     يخفي جديد تراب الأرض منهزم



                              وصف سحابا فقال: هو حيران، لا يبرح يخفي: يظهر ومنهزم: منخرق بالماء .

                              [ ص: 842 ] وقال آخر:


                              يخفي التراب بأظلاف ثمانية     في أربع وقعهن الأرض تحليل



                              وصف ثورا فر من صائد في أربع، يعني قوائم، في ثمانية أظلاف وقال آخر:


                              خفاهن من أنفاقهن كأنما     خفاهن ودق من عشي محلب



                              وصف فرسا خفى: استخرج بحوافره النار من أنفاقهن: من أجحرتهن كما استخرج هذا المطر الفأر من أجحرتها، وقال آخر:


                              يثيرون ما تحت الحصى من لبانه     كما يختفي البهش الدفين الثعالب

                              .

                              [ ص: 843 ] وقال آخر:


                              أرقت لبرق في نشاص خفت به     سواجم في أعناقهن بروق



                              وقال آخر:


                              ومدعس فيه الأنيض اختفيته     بجرداء ينتاب الثميل حمارها



                              أخبرنا الأثرم، عن أبي عبيدة: أخفى: له موضعان، موضع إظهار، وموضع كتمان، كسائر حروف الأضداد وأنشدني أبو الخطاب قول امرئ القيس عن أهله في بلده:


                              فإن تدفنوا الداء لا نخفه     وإن تبعثوا الحرب لا نقعد



                              ورواه الأصمعي: نخفه بنصب النون، يقول: لا نظهره ولو صح ما قال أبو عبيدة عن أبي الخطاب رفع النون في نخفه كانت من أخفى ، .

                              [ ص: 844 ] وكان في ذلك حجة لشعبة في روايته حين قال: أخفى صوته، ولكنه ليس وجه الكلام، لأن العرب تقول: خفيت ملتي من النار: استخرجتها ويقال للركية التي قد اندفنت ثم استخرجتها خفية والجميع خفايا أخبرني أبو نصر، عن الأصمعي: يقال: برح الخفاء: وذلك إذا ظهر، وأصله من البراح، والبراح: المتسع من الأرض المستوي، تقول: صار في براح، أي في أمر منكشف .

                              [ ص: 845 ]

                              التالي السابق


                              الخدمات العلمية