فصل
اختلف أهل الأرض في
nindex.php?page=treesubj&link=28743كلام الله تعالى ، فذهب
nindex.php?page=treesubj&link=29459الاتحادية القائلون بوحدة الوجود أن كل كلام في الوجود كلام الله : نظمه ونثره وحقه وباطله سحره وكفره والسب والشتم والهجر والفحش ، وأضداده كله غير كلام الله تعالى القائم به كما قال عارفهم :
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
وهذا المذهب مبني على أصلهم الذي أصلوه ، وهو أن الله سبحانه هو عين هذا
[ ص: 495 ] الوجود ، فصفاته هي صفات الله ، وكلامه هو كلام الله ، وأصل هذا المذهب إنكار مسألة المباينة والعلو ، فإنهم لما أصلوا أن الله تعالى غير مباين لهذا العالم المحسوس صاروا بين أمرين لا ثالث لهما إلا المكابرة .
أحدهما : إنه معدوم لا وجود له ، إذ لو كان موجودا لكان إما داخل العالم وإما خارجا عنه ، وهذا معلوم بالضرورة ، فإنه إذا كان قائما بنفسه ، فإما أن يكون مباينا للعالم أو محايثا له ، إما داخلا فيه وإما خارجا عنه .
الأمر الثاني : أن يكون هو عين هذا العالم ، فإنه يصح أن يقال فيه حينئذ أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا مباينا له ولا حالا فيه ، إذ هو عينه ، والشيء لا ينافي نفسه ولا يحايثها ، فرأوا أن هذا خير من إنكار وجوده وبالحكم عليه بأنه معدوم ، ورأوا أن الفرار من هذا إلى إثبات موجود قائم بنفسه ، لا داخل العالم ولا خارجا ، ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا مباين له ولا محايث ولا فوقه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا خلفه ولا أمامه ، فرارا إلى ما لا يسيغه عقل ولا تقبله فطرة ولا تأتي به شريعة . ولا يمكن أن يقر برب هذا شأنه إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما .
أحدهما : أن يكون ساريا فيه حالا فيه ، فهو في كل مكان بذاته ، وهو قول جميع
الجهمية الأقدمين .
الوجه الثاني : أن يكون وجوده في الذهن لا في الخارج ، فيكون وجوده سبحانه وجودا عقليا ، إذ لو كان موجودا في الأعيان لكان إما عين هذا العالم أو غيره ، ولو كان غيره لكان إما بائنا عنه أو حالا فيه ، كلاهما باطل ، فثبت أنه عين هذا العالم ، فله حينئذ كل اسم حسن قبيح ، وكل صفة كمال ونقص ، وكل كلام حق وباطل ، نعوذ بالله من ذلك .
فَصْلٌ
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28743كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَذَهَبَ
nindex.php?page=treesubj&link=29459الِاتِّحَادِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُ اللَّهِ : نَظْمُهُ وَنَثْرُهُ وَحَقُّهُ وَبَاطِلُهُ سِحْرُهُ وَكُفْرُهُ وَالسَّبُّ وَالشَّتْمُ وَالْهَجْرُ وَالْفُحْشُ ، وَأَضْدَادُهُ كُلُّهُ غَيْرُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمِ بِهِ كَمَا قَالَ عَارِفُهُمْ :
وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِمُ الَّذِي أَصَّلُوهُ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ عَيْنُ هَذَا
[ ص: 495 ] الْوُجُودِ ، فَصِفَاتُهُ هِيَ صِفَاتُ اللَّهِ ، وَكَلَامُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ إِنْكَارُ مَسْأَلَةِ الْمُبَايَنَةِ وَالْعُلُوِّ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَصَّلُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيْرُ مُبَايِنٍ لِهَذَا الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ صَارُوا بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إِلَّا الْمُكَابَرَةُ .
أَحَدُهُمَا : إِنَّهُ مَعْدُومٌ لَا وُجُودَ لَهُ ، إِذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَكَانَ إِمَّا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَإِمَّا خَارِجًا عَنْهُ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ أَوْ مُحَايِثًا لَهُ ، إِمَّا دَاخِلًا فِيهِ وَإِمَّا خَارِجًا عَنْهُ .
الْأَمْرُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ هُوَ عَيْنُ هَذَا الْعَالَمِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ ، وَلَا مُبَايِنًا لَهُ وَلَا حَالًّا فِيهِ ، إِذْ هُوَ عَيْنُهُ ، وَالشَّيْءُ لَا يُنَافِي نَفْسَهُ وَلَا يُحَايِثُهَا ، فَرَأَوْا أَنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ إِنْكَارِ وَجُودِهِ وَبِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَعْدُومٌ ، وَرَأَوْا أَنَّ الْفِرَارَ مِنْ هَذَا إِلَى إِثْبَاتِ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ ، لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجًا ، وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَلَا مُبَايِنٌ لَهُ وَلَا مُحَايِثٌ وَلَا فَوْقَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ وَلَا خَلْفَهُ وَلَا أَمَامَهُ ، فِرَارًا إِلَى مَا لَا يُسِيغُهُ عَقْلٌ وَلَا تَقْبَلُهُ فِطْرَةٌ وَلَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ . وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَرَّ بِرَبٍّ هَذَا شَأْنُهُ إِلَّا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ سَارِيًا فِيهِ حَالًّا فِيهِ ، فَهُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ جَمِيعِ
الْجَهْمِيَّةِ الْأَقْدَمِينَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ ، فَيَكُونُ وُجُودُهُ سُبْحَانَهُ وُجُودًا عَقْلِيًّا ، إِذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَعْيَانِ لَكَانَ إِمَّا عَيْنَ هَذَا الْعَالَمِ أَوْ غَيْرَهُ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَكَانَ إِمَّا بَائِنًا عَنْهُ أَوْ حَالًّا فِيهِ ، كِلَاهُمَا بَاطِلٌ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَيْنُ هَذَا الْعَالَمِ ، فَلَهُ حِينَئِذٍ كُلُّ اسْمٍ حَسَنٍ قَبِيحٍ ، وَكُلُّ صِفَةِ كَمَالٍ وَنَقْصٍ ، وَكُلُّ كَلَامٍ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ .