"  القسم الرابع من أقسام الناس في الهدى الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم "  
 وأما القسم الرابع : ففي قوله تعالى : (  ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم       . . ) الآية      [ ص: 77 ] فهؤلاء كانوا يكتمون إيمانهم في قومهم ولا يتمكنون من إظهاره ، ومن هؤلاء مؤمن  آل فرعون   الذي كان يكتم إيمانه ، ومن هؤلاء   النجاشي  الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان ملك  نصارى  الحبشة    وكان في الباطن مؤمنا وقد قيل : إنه وأمثاله الذين عناهم الله عز وجل بقوله : (  وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا      ) وقوله تعالى : (  ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين      ) فإن هؤلاء ليس المراد بهم المتمسك باليهودية والنصرانية بعد بعث  محمد   صلى الله عليه وسلم قطعا ، فإن هؤلاء قد شهد لهم بالكفر وأوجب لهم النار فلا يثنى عليهم بهذا الثناء ، وليس المراد به من آمن من أهل الكتاب ودخل في جملة المؤمنين وباين قومه ; فإن هؤلاء لا يطلق عليهم أنهم من أهل الكتاب إلا باعتبار ما كانوا عليه وذلك الاعتبار قد زال بالإسلام واستحدثوا اسم المسلمين والمؤمنين ، وإنما يطلق الله سبحانه هذا الاسم على من هو باق على دين أهل الكتاب هذا " هو " المعروف في القرآن كقوله تعالى : (  ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله      . . . ) الآية . (  قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم      . . )      [ ص: 78 ]    (  ياأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم      . . ) الآية . (  وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم      . . ) الآية .  
ولهذا قال   جابر بن عبد الله  ،   وعبد الله بن عباس  ،   وأنس بن مالك  ،  والحسن  ،  وقتادة  ، أن قوله تعالى : (  وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم      . . ) الآية ، أنها نزلت في   النجاشي  زاد  الحسن  وقتادة     : وأصحابه ، وذكر   ابن جرير  في تفسيره من حديث  أبي بكر الهذلي  عن  قتادة  عن   ابن المسيب  عن  جابر  رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  اخرجوا فصلوا على أخ لكم فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال : هذا   النجاشي أصحمة  ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط . فأنزل الله تعالى : (  وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله      . . . ) الآية     . والمقصود أن الأقسام الأربعة قد ذكرها الله تعالى في كتابه ، وبين أحكامها في الدنيا وأحكامها في الآخرة ، وقد تبين أن أحد الأقسام من آمن ظاهرا وكفر باطنا ، وأنهم نوعان : رؤساؤهم وساداتهم ، وأتباعهم ومقلدوهم ، وعلى      [ ص: 79 ] هذا فأصحاب المثل الأول الناري شر من أصحاب المثل الثاني المائي كما يدل السياق عليه ، وقد يقال : - وهو أولى - إن المثلين لسائر النوع . وأنهم قد جمعوا بين مقتضى المثل الأول من الإنكار بعد الإقرار . والحصول في الظلمات بعد النور ، وبين مقتضى المثل الثاني من ضعف البصيرة في القرآن وسد الآذان عند سماعه والإعراض عنه ، فإن المنافقين فيهم هذا وهذا ، وقد يكون الغالب على فريق منهم المثل الأول ، وعلى فريق " منهم " المثل الثاني .  
				
						
						
