الفصل الثاني  
في  وصفه - تعالى - له بالشهادة وما يتعلق بها من الثناء ، والكرامة   
قال - تعالى - :  يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا       [ الأحزاب : 45 ] الآية .  
جمع الله - تعالى - في هذه الآية ضروبا من رتب الأثرة ، وجملة أوصاف من المدحة فجعله شاهدا على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة ، وهي من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - ،  ومبشرا لأهل طاعته ، ونذيرا لأهل معصيته   ، وداعيا إلى توحيده ، وعبادته ، وسراجا منيرا يهتدى به للحق .  
[ حدثنا الشيخ  أبو محمد بن عتاب  ، حدثنا  أبو القاسم حاتم بن محمد  ، حدثنا   أبو الحسن القابسي  ، حدثنا   أبو زيد المروزي  ، حدثنا  أبو عبد الله محمد بن يوسف  ، حدثنا   البخاري  ، حدثنا  محمد بن سنان  حدثنا  فليح  ، حدثنا  هلال  بن ]   عطاء بن يسار  ، قال : لقيت   عبد الله بن عمرو بن العاص  ، قلت : أخبرني عن  صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم      - قال : أجل ، والله إنه      [ ص: 128 ] لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن :  ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا      [ الأحزاب : 45 ] ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا     . وذكر مثله  عن   عبد الله بن سلام  ،   وكعب الأحبار  ، وفي بعض طرقه عن   ابن إسحاق     : ولا صخب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ، ولا قوال للخنا ، أسدده لكل جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة معقوله ، والصدق ، والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والعدل سيرته ، والحق شريعته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به بعد الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأسمي به بعد النكرة ، وأكثر به بعد القلة ، وأغني به بعد العلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين قلوب مختلفة ، وأهواء متشتتة ، وأمم متفرقة ، واجعل أمته خير أمة أخرجت للناس     .  
وفي حديث آخر :  أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صفته في التوراة : " عبدي أحمد المختار ،      [ ص: 129 ] مولده بمكة ، ومهاجره بالمدينة ، أو قال : طيبة أمته الحمادون لله على كل حال     . وقال - تعالى -  الذين يتبعون الرسول النبي الأمي      [ الأعراف : 157 ] الآية . وقد قال - تعالى - :  فبما رحمة من الله لنت لهم      [ آل عمران : 159 ] الآية . قال  السمرقندي     : ذكرهم الله تعالى منته أنه جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحيما بالمؤمنين ، رءوفا لين الجانب ، ولو كان فظا خشنا في القول لتفرقوا من حوله ، ولكن جعله الله - تعالى - سمحا ، سهلا طلقا برا لطيفا . هكذا قاله  الضحاك     . وقال - تعالى - :  وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا      [ البقرة : 143 ] الآية .  
قال   أبو الحسن القابسي     : أبان الله - تعالى - فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وفضل أمته بهذه الآية ، وفي قوله في الآية الأخرى :  وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس       [ الحج : 78 ] الآية . وكذلك قوله - تعالى - :  فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد      [ النساء : 41 ] الآية . وقوله - تعالى - : وسطا : أي عدلا خيارا . ومعنى هذه الآية : وكما هديناكم فكذلك خصصناكم وفضلناكم بأن جعلناكم أمة خيارا عدولا ، لتشهدوا للأنبياء - عليهم السلام - على أممهم ، ويشهد لكم الرسول بالصدق . وقيل : إن الله - جل جلاله - إذا سأل الأنبياء : هل بلغتم ؟ . فيقولون : نعم . فتقول أممهم : ما جاءنا من بشير ، ولا نذير ، فتشهد أمة  محمد      - صلى الله عليه وسلم - للأنبياء ، ويزكيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : معنى الآية : إنكم حجة على كل من خالفكم ، والرسول حجة عليكم . حكاه  السمرقندي     . وقال - تعالى - :  وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم      [ يونس : 2 ] الآية .  
قال  قتادة  ،  والحسن  ،   وزيد بن أسلم      : قدم صدق : هو  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، يشفع لهم .  
وعن  الحسن  أيضا : هي مصيبتهم بنبيهم . وعن   أبي سعيد الخدري     - رضي الله عنه - : هي شفاعة نبيهم  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، هو شفيع صدق عند ربهم .  
وقال   سهل بن عبد الله التستري     : هي سابقة رحمة أودعها الله في  محمد      - صلى الله عليه وسلم - . وقال      [ ص: 130 ]  محمد بن علي الترمذي     : هو إمام الصادقين ، والصديقين ، الشفيع المطاع ، والسائل المجاب  محمد      - صلى الله عليه وسلم - ، حكاه عنه السلمي .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					